نضال العضايلة
أصدر العاهل الأردني، أمراً بتقييد اتصالات الأمير حمزة وإقامته وتحركاته، والتي رفعها المجلس لجلالة الملك عبدالله الثاني منذ الثالث والعشرين من شهر كانون الأول الماضي.
وقال الملك عبدالله الثاني في رسالة وجهها للأردنيين، أكتب إليكم آملاً بطي صفحة مظلمة في تاريخ بلدنا وأسرتنا، فكما تعلمون، عندما تم كشف تفاصيل قضية “الفتنة” العام الماضي، اخترت التعامل مع أخي الأمير حمزة في إطار عائلتنا، على أمل أن يدرك خطأه ويعود لصوابه، عضوا فاعلا في عائلتنا الهاشمية، لكن، وبعد عام ونيف استنفد خلالها كل فرص العودة إلى رشده والالتزام بسيرة أسرتنا، فخلصت إلى النتيجة المخيبة أنه لن يغير ما هو عليه، ترسخت هذه القناعة لدي بعد كل فعل وكل كلمة من أخي الصغير الذي كنت أنظر إليه دائما نظرة الأب لابنه، وتأكدت بأنه يعيش في وهم يرى فيه نفسه وصيا على إرثنا الهاشمي، وأنه يتعرض لحملة استهداف ممنهجة من مؤسساتنا.
وأضاف الملك عكست مخاطباته المتكررة حالة إنكار الواقع التي يعيشها، ورفضه تحمل أي مسؤولية عن أفعاله.
وقال ما يزال أخي حمزة يتجاهل جميع الوقائع والأدلة القاطعة، ويتلاعب بالحقائق والأحداث لتعزيز روايته الزائفة، وللأسف، يؤمن أخي حقا بما يدعيه، والوهم الذي يعيشه ليس جديدا، فقد أدركت وأفراد أسرتنا الهاشمية، ومنذ سنوات عديدة، انقلابه على تعهداته وتصرفاته اللامسؤولة التي تستهدف بث القلاقل، غير آبهٍ بتبعاتها على وطننا وأسرتنا، فما يلبث أن يتعهد بالعودة عما هو عليه من ضلال، حتى يعود إلى الطريق التي انتهجها منذ سنوات؛ يقدم مصالحه على الوطن بدلاً من استلهام تاريخ أسرته وقيمها، ويعيش في ضيق هواجسه بدلا من أن يقتنع برحابة مكانته ومساحة الاحترام والمحبة والعناية التي وفرناها له، يتجاهل الحقائق، وينكر الثّوابت، ويتقمص دور الضّحية.
وأضاف لقد مارست، خلال الأعوام السابقة، أقصى درجات التسامح وضبط النفس والصبر مع أخي، التمست له الأعذار على أمل أنه سينضج يوما، وأنني سأجد فيه السند والعون في أداء واجبنا لخدمة شعبنا الأبي وحماية وطننا ومصالحه، صبرت عليه كثيرا، لكن خاب الظّن مرة تلو المرة.
وقال الملك في رسالته لم تكن قضية الفتنة في نيسان من العام الماضي بداية لحالة ضلال حمزة، فقد اختار الخروج عن سيرة أسرته منذ سنين طويلة، حيث ادّعى أنه قبل قراري الدستوري بإعادة ولاية العهد إلى قاعدتها الدّستوريّة الأساس، ولكن أظهرت كلّ تصرّفاته منذ ذلك الوقت غير ذلك، حيث انتهج سلوكا سلبيا، بدا واضحا لكلّ أفراد أسرتنا، وأحاط نفسه بأشخاص دأبوا على ترويج معارضة القرار من دون تحريك ساكن لإيقافهم.
واضاف كنت آمل أن يقتنع حمزة بما أنعم الله، عز وجل، عليه من مكانة ومساحة لخدمة وطننا وشعبنا العزيزين، إلا أنه استمر في تصرفاته المسيئة لي ولتاريخ أسرته ومؤسسات الدولة التي تقدم كل أشكال الدعم والعون له ولغيره، وبالرّغم من ذلك، اخترت أن أغض النّظر عله يخرج من الحالة التي وضع نفسه فيها؛ فهو أخي في كل حين.
لكنه فضل على الدوام أن يعامل الجميع من حوله بشك وجفاء، مواصلاً دوره في إثارة المتاعب لبلدنا، ومبرراً عجزه عن خدمة وطننا وتقديم الحلول الواقعية لما نواجه من تحديات، بأنه محارَب ومستهدف.
وأشار الملك الى أنه سعى إلى دعم مسيرته المهنيّة في القوات المسلحة، آملا أن يحيي فيه صبر رفاق السلاح وتضحياتهم الإرادة والعزم، ويخرجوه مما كان يغرق فيه من مشاعر سلبية، لكن الأمل خاب.
فعلى مدى سنوات عمله في قواتنا المسلحة الباسلة، مدرسة الرّجولة والشّرف، كنت أتلقّى الشّكاوى من قيادات نشامى جيشنا العربيّ ومن زملائه حول الفوقيّة التي كان يتعامل فيها مع رؤسائه، ومحاولاته زرع الشّك في مهنيّة قواتنا المسلحة وحرفيّتها.
وقال حاولت، وحاول أفراد أسرتنا، مساعدته على كسر قيد الهواجس التي كبّل نفسه بها، ليكون فردا فاعلا من أفراد أسرتنا في خدمة الأردن والأردنيين، وعرضت عليه مهمات وأدوارا عديدة لخدمة الوطن، لكنه قابل كل ذلك بسوء النوايا والتشكيك، لم يقدّم يوما إلا التذمّر والشعارات المستهلكة، ولم يأت لي يوما بحل أو اقتراح عمليّ للتّعامل مع أي من المشاكل التي تواجه وطننا العزيز، وكان الاقتراح الوحيد الذي قدمه الأمير حمزة هو توحيد الأجهزة الاستخبارية لقواتنا المسلّحة جميعها تحت إمرته، متجاهلا عدم منطقية اقتراحه، وتناقضه مع منظومة عمل قواتنا المسلّحة.
واضاف إنني أدرك التّحديات التي تواجه بلدنا والحاجة المستمرّة لمعالجة الاختلالات وسدّ الثّغرات، وأرحب بالنّقد البنّاء والحوار الهادف وأطلبهما من الجميع، ولكنني أدرك في الوقت نفسه أن هذه التحديات لا يمكن معالجتها والتصدي لها بتصرفات استعراضية تحاول توظيف ظروفنا الاقتصادية واستغلالها لبثّ اليأس والخطاب العدمي.
واردف قائلاً دعوت الله، عز وجل، أن يخرج حمزة من عزلته في كل مرّة اعتصرني الألم، وأنا أجد مكانه خاليا في مناسباتنا الوطنية والأسرية، لكنه فضل الإثارة التي تطرح الأسئلة حول غيابه علها تقوي صورة الضحية التي افتعلها على القيام بواجباته الأسرية والوطنية، فأبى حتى المشاركة في مراسم تشييع جثمان عمّنا الأكبر، المغفور له سمو الأمير محمد بن طلال، لتسجيل موقف شخصي في لحظة عائلية تستدعي التضامن والمواساة.
وقال بعد استنفاد محاولات التّعامل مع كل ما ورد من أخي حمزة في إطار الأسرة، وعبر النّصح والحوار الأخويّ والأسريّ، لا أرى الآن بدّا من القيام بما تمليه علي الأمانة والمسؤولية؛ فواجبي تجاه أسرتي الصغيرة كبير، لكن واجبي إزاء أسرتي الأردنية الكبيرة ومصالحها أكبر وأسمى.
ولن أسمح لأيٍّ كان أن يقدم مصالحه على مصلحة الوطن، ولن أسمح حتى لأخي أن يكون سببا للمزيد من القلق في وطننا الشامخ.
لا وقت نضيعه في التعامل مع تقلبات الأمير حمزة وغاياته. فالتّحدّيات كبيرة، والصّعاب كثيرة، وعملنا كلّه منصبّ على تجاوزها، وعلى تلبية طموحات شعبنا وحقه في الحياة الكريمة المستقرة.
وعليه، فقد قرّرت الموافقة على توصية المجلس المشكّل بموجب قانون الأسرة المالكة، بتقييد اتصالات الأمير حمزة وإقامته وتحركاته، والتي رفعها المجلس لنا منذ الثالث والعشرين من شهر كانون الأول الماضي، وكنت قد ارتأيت التّريث في الموافقة عليها لمنح أخي حمزة فرصة لمراجعة الذّات والعودة إلى طريق الصّواب.