60 % من الأطفال المتسوّلين دون عمر الخامسة
– اختصاصية نفسيّة: إرتفاع نسبة التحرّش الجنسي بين أطفال الشوارع
لكل طفل الحق في العيش دون عنف او استغلال او اساءات. الأطفال في جميع انحاء العالم يعانون اشكالا خبيثة من الفتك والغَلَبة، ولا يقف عند أي تخوم، بل يحدث في الأماكن التي يُفترض ان تؤمن لهم أفضل رعاية أي أهلهم، ليختبر هؤلاء أنواعا من الشّدّة على يد الأشخاص الذين يثقون بهم.
اعتبرت اليونيسف، “أنه يحق لجميع الأطفال ان يتمتعوا بالحماية، بصرف النظر عن ظروفهم، وتساعد أنظمة حماية الأطفال على تمكين هذه الفئة من الحصول على المساعدات الاجتماعية الحيوية، واللجوء الى أنظمة عدلية منصفة منذ ولادتهم. وتسعى هذه الخدمات الى الوصول الى الفئات الأكثر ضعفا، بمن فيهم أولئك الذين يقعون ضحية لعمالة الأطفال او الاتجار بالبشر او التجنيد في القوات المسلحة”.
وقد عملت “الديار” منذ مطلع شهر شباط وحتى اليوم على رصد عدة مناطق في لبنان، لتلاحظ ان نسبة المتسولين ارتفعت من 40% الى 80% وأكثر. واللافت ان اعمار الشحاذين تتراوح ما بين الـ 2، و4 و6 سنوات، والاقسى ان معظم هؤلاء يدفع الاهل بهم نحو المارة لطلب المال، ما يؤكد على انهم ليسوا في حالة فقر مدقع.
الظاهرة تتعاظم
وفي هذا المجال، قال محافظ مدينة بيروت القاضي مروان عبود لـ “الديار”، “ان ظاهرة تسول الأطفال تتفاقم بشكل جسيم ولا يمكن السيطرة عليها، اذ بأي جريمة سيتم توقيف هؤلاء”. لافتا الى “ان ملاحقتهم ستكون من قبل قضاة المناطق التي يتسولون فيها، والمحاسبة لن تتناول القصّر، بل ذويهم الذين يقومون بتحريضهم على القيام بهذا الفعل أو من هم وراءهم”، وأشار الى “ان هناك كثرا من الراشدين يفترشون الأرصفة ويحملون أطفالا حديثي الولادة، مما يعرضهم للأذى النفسي والجسدي”.
اضاف: “نحن كبلدية قمنا باستئجار مبنى بالتعاون مع منظمة اليونيسف لوضع هؤلاء فيه، ومتابعتهم ورعايتهم من قبل هذه الجمعية، ولكن الأمور ذهبت باتجاه آخر، بحيث ان اليونيسف تقوم بأخذ الأطفال لفترة ساعتين تُطعمهم وتُسلّيهم وتعمل على اطلاقهم، فيعود هؤلاء الى الشارع مجددا، ولكن مع جرعة طاقة أكبر للتسوّل”.
جماعات تشغّل الأطفال
وتحدث عبود “عن جماعات تستغل القصّر وتوظفهم بالشحاذة وجمع النفايات، كونها تدرّ لهم أرباحا مادية طائلة في ظل الوضع الاستثنائي الذي يمر فيه البلد”. واكد “العمل على الملاحقة والتشدد بالإجراءات”، وأشار الى “ان موضوع التنكيش في النفايات بصدد الحل، وقد تم إطلاق حوالى 10 مراكز لجمع النفايات وفرزها من المصدر، وذلك سيكون بتسليم الاهل نفاياتهم الى محطات الوقود اثناء مرورهم بها لتعبئة محركاتهم”، كاشفا “عن عائد تشجيعي للمواطنين يكون بحصولهم على صفيحة بنزين مجانا”.
الاعداد الى ارتفاع
واكد عن ازدياد اعداد المتسولين القصّر، وقال: “ان هذا الموضوع وطني بامتياز، ويجب ان تتضافر جميع الجهود والجهات المعنية فيه لمنع انتشار هذه الحالة وتمددها نحو المجتمع اللبناني”. وكشف “ان معظم المتسولين هم من غير اللبنانيين، وذلك بسبب تردي الوضع المعيشي في البلد والغلاء الفاحش لأسعار السلع والمواد الغذائية الى جانب دولرة الأسعار”.
وعلمت “الديار” ان سيارة مرسيدس موديل 82 حمراء اللون، تأتي بأطفال من منطقة البرج وتنشرهم في أماكن مختلفة ومكتظة، ما يعني ان التسول تعدّى مرحلة الفقر المدقع، وتحوّل الى مهنة وامتياز لجمع المال.
وفي السياق، أوضح عبود “انه بصدد التعاون مع كل من يدلي بمعلومات عن هذه الجماعات، وسيتم العمل على ملاحقتهم ضمن الأطر القانونية لمجازاتهم وتغريمهم لاستغلالهم أطفالا دون الخامسة من العمر”.
شهادات
احمد طفل سوري الجنسية عمره 7 سنوات، أخبر “الديار”، “انه يبدأ العمل في التسول مع ساعات الصباح الباكر، وهو يريد حياة طبيعية شأنه شأن باقي الأطفال الذين في سنه، ولكن اهله يجلسون في المنزل، وهو يشحذ لشخص يعمل لحسابه على ان يعطيه نسبة من الغلة التي يسلمها الأخير لذويه”.
اما زياد فقال: “اعتدت على هذا العمل حتى أصبح عقلي مبرمجا عليه ولا يمكنني تخطّيه، ورصدته “الديار” يجلس مع مجموعة أطفال يأكلون “المرتديلا” التي بات سعرها يتجاوز النصف مليون. ما يدل على ان هؤلاء ليست الحاجة من تدفعهم الى التسوّل، بل عصابات بمباركة ذويهم الذين يشاركون في سحق هذه الطفولة البريئة.
عوامل كاذبة!
ليست الحرب الأوكرانية – الروسية، او جائحة كورونا والازمة الاقتصادية في لبنان تحديدا، السبب في تسول الأطفال من خلال التشبث بفكرة الفقر الشديد، والارتفاع الصاروخي لأسعار المواد الغذائية والتعرض للجفاف الغذائي. فقد وثقت “الديار” ان كراتين من المواد الغذائية و”بالشوالات “تأتي لهؤلاء “الشحاذين” بشكل شهري، هذا عدا عن الأموال التي يحصلون عليها من المنظمات.
ووصلت الى “الديار” معلومات مؤكدة ان بعض الآباء يبيعون ابناءهم وبناتهم مقابل مبلغ مالي شهري، ليجبر هؤلاء إما على التسول او العمل في مهن تفوق سنهم، مثل الزواج المبكر والاستغلال الجنسي، والتسوّل او بيع الممنوعات والمخدرات.
التأهيل يُنجّي!
وفي هذا المجال ، أوضحت الاختصاصية الاجتماعية والنفسية غنوة يونس لـ “الديار”، ان “الشحاذة تعتبر كالثقافة لبعض العائلات والعشائر والبيئات التي ينشؤون فيها، فيتربى هؤلاء على عادات سيئة، وتصبح فيما بعد متوارثة ومهنة قائمة بحد ذاتها، شأن أي مهنة أخرى ووسيلة للعيش، ونمط حياة قائم وتتناقل من جيل الى آخر ومن بيئة لأخرى”.
اضافت “في معظم الأوقات نلاحظ طفلا لا يتجاوز عمره الأيام تحمله شقيقته ذات العشرة أعوام وتتنقل به لتشحذ عليه. وهذا الموضوع يؤثر في نفسية الطفل، لأنه يترعرع بأجواء يرى فيها كل الأشياء السيئة، ويكتشف عادات قذرة يطغى عليها الطابع الشوارعي”.
تابعت “ينشأ هذا الطفل في محيط صلب، ويحتك مع جميع الناس، مما يعرّضه لسماع كلمات نابية وبذيئة، ويحفظها بدوره ويتلفظ بها. أضف الى انه يرى مشاهد قبيحة، والأخطر من كل ما ذكرت، ارتفاع حالات التحرش الجنسي لأطفال الشوارع بشكل مخيف في ظل غياب من يحميهم من الاضطهاد بأنواعه”.
غلّة نهاية اليوم
وأشارت يونس “الى ان هناك من يدير هؤلاء والمطلوب “تحويش” غلة في نهاية اليوم، لذا يحاول الأطفال تجميع ما أمكنهم بأرخص وأسهل الطرق. فعلى سبيل المثال، قد تذهب طفلة عمرها 8 سنوات مع رجل ليقوم الأخير بالتحرش والاعتداء الجنسي عليها، مما يؤثر على نمو شخصيتها”. ولفتت “الى ان مستوى التعاطف والتعامل مع اطفال يتنقلون بمظهر متدني كالمشي حفاة وثياب بالية، وفي الشتاء بلا معاطف ترد عنهم لسعة البرد القارس، تدفع بهؤلاء الى تكوين مفاهيم صعبة عن الطفولة في هذه الحياة، وينعكس على سلوكياتهم جراء انخراطهم بسوق الشحاذين التي لا تتناسب وسنّهم الصغيرة”.
التركيبة
ولفتت الى “ان البنية النفسية مزيج من التمرد والعدوانية والخضوع للأوامر وغياب القوانين، وبالتالي لا التزام بها، ما يعني خرقها. الامر الذي يدفع بالقصّر المتسولين الى افتقاد حاجاتهم النفسية كالحب والحنان والاهتمام والعطف والحماية، ليرزح هؤلاء في بيئة متعنتة وظالمة، تُنشئ افرادا قساة وغير مبالين بمستقبلهم ، وقد يتحولون الى عصابات تقترف الجرائم بسبب اختلال نفسي واضطرابات عقلية، وقد اثبتت الدراسات ان هذه الفئة هي الأكثر عرضة للإصابة بالأمراض النفسعقلية”.