هل أدركت يوما ببعض الارتياح عندما رسمتَ “خرابيش” تحتوي رموزا ورسوماً غير مفهومة الا لك؟ ماذا تعرفون عن العلاج بالفن اذن؟
“العلاج بالفن” فن لا يحتاج الى موهبة
تتنوع أساليب العلاج بالفن لتتبلور في اطارين هما الفن والعلاج النفسي. وهذا المنهج من العلاجات النفسية يعد أقدم اشكال العلاج النفسي ويوظف كعملية نقل بين الاختصاصي والعميل الذي يعتمد على الفن. ويعمد الاختصاصي او المعالج الى اللجوء الى تفسير رمزية التعبير عمّا يعانيه المصاب. ويشمل عدة نواح تبدأ من تركيز الشخص المعني بالعلاج على الصعيدين المعرفي والسلوكي والكلام وحتى أسلوب حياة العائلة وصولا الى المنهَك وخصوصيته. وتقوم مبادئ العلاج بالفن على مسميّات خلاّقة بدءا من الإنسانية والابداع والملاءمة بين الصراعات والهواجس العاطفية وتعزيز الوعي الذاتي ونهضة الشخصية.
“الخربشة” وشعور بالراحة
لعلك التمست شعور الراحة عندما رسمت بعض “الخربشات” التي قد تكون عبارة عن “شخبطات” يراها الكثيرون انها بلا جدوى او معنى الا انها في حقيقة الامر هذه “الخربشات” أُنجزت بدافع التسلية لا أكثر.
والسؤال: هل تعي ان هذا التصرف هو من احدى الطرق العلمية المثبتة لإراحة النفس وعلاجها وهو انعكاس لتصرف مبسّط لمستهلٍ علمي يسمّى “العلاج النفسي بالفن”.
طرق العلاج بالفن
العلاج بالفن هو احد الأساليب العلمية القائمة على استعمال تكنولوجيا إبداعية كالرسم والتلوين او استخدام الرموز والاشكال الفنية لمساعدة الافراد على التعبير عن ذاتهم وانما بطرق فنية، كما ان هذا النمط يمكّنهم من فهم أنفسهم وشخصياتهم وحتى الحياة بعمق وعقل وتروي ونضج.
وفقاً لجمعيّة العلاج بالفن الاميركية فإن التعبير عن الذات من خلال الحذاقة الفنية ذو قيمة علاجية، كما انه يتم تدريب المعالجين بالفن على استيعاب الأدوار التي يمكن ان يلعبوها على سبيل المثال لا الحصر: اللون واللمس والشكل الخاص بالعمل الفنّي من العملية العلاجية وكيفية المساعدة في اكتشاف أفكار العميل او الشخص ومشاعره وتصرفاته وانعكاساتها النفسية عليه.
وما تجدر الإشارة اليه ان هذا العلاج يساعد الأطفال والمراهقين والبالغين في استكشاف مشاعرهم، وتنميق اجلال الذات والتقليل من التوتر الى جانب اعراض القلق والاكتئاب.
بالإشارة ان العلاج بالفن بات يُطبق على نطاق واسع في المستشفيات والعيادات النفسية او عبر ورش عمل ومجموعات منظّمة ويندمج المعالجون مع الافراد والازواج بحسب البيئات المتنوعة.
“الديار” تحدثت الى كل من المعالجتين بالفن هديل الرز المعالِجَة بفن الرسم، والمتخصصة بعلاج المكفوفين بالفن عالية عباس.
تقول الاختصاصية هديل الرز المتخرجة في جامعة فيكتوريا في كندا، اعمل في لبنان على هذا العلاج منذ نحو ثماني سنوات وهو أحد الوسائل المتبعة حديثا في العلاج النفسي ويتميز بأنه يعمل على تغيير الصورة النمطية في الذهن التي بسببها يشعر الفرد بأنه ليس بخير وفي سياق نفسي متصل صحته النفسية مهددة.
الفئة المستهدفة
تعتبر الرز ان جميع الفئات العمرية يمكنها الاستفادة من العلاج بالفن أي الصغار والكبار على حد سواء، ولفتت الى انه يساعد على تطوير ذات الفرد وتخطيه الشعور بالحزن، التوتر، القلق، الغضب، والاكتئاب وغيرها من الاضطرابات النفسية سيما ان هذا الضغوطات زادت اليوم بسبب الأزمات المتلاحقة في لبنان واثرت في الجميع بلا استثناء. وأشارت الى العملاء النفسيين فالمعالج يعمل بالفن تحت إرشادات الطبيب او المعالج النفسي.
ما المقصود بالفن؟
تقول الرز يكون العلاج النفسي “بالفن” باستخدام الموسيقى، الرقص، النحت، الرسم، التصوير وغيرها من الفنون الا انني انا كهديل الرز اختصاصية علاج بفن الرسم، واومأت الى استخدامها أدوات الرسم جميعها لان الألوان في هذا النوع من العلاج تؤدي دورا مهما في تغيير الحالة المزاجية وتوضيح الأفكار، وغمزت الى تحليل الخطوط والألوان التي يستخدمها الفرد في تقنيات التفريغ.
وعلى صعيد علاجي أكثر من مهم، يتم تطبيقه في مراكز العلاج من الإدمان والسرطان خاصة لدى الأطفال ولفتت الرز الى تنظيم العديد من الدورات والنشاطات الفنية والثقافية العلاجية ودائما تكون النتيجة فعّالة خلال الجلسات الخاصة.
بالإشارة ان العلاج بالفن هو أحد اهم أنواع العلاجات النفسية للمصابين باضطراب الوسواس القهري او ما يسمّى OCD عن طريق التقييم النفسي وما يتضمنه من مناقشة الأفكار والمشاعر والسلوك والهواجس او سلوكيات قهرية وغيرها من التشخيصات الا ان العلاج النفسي بحسب الدراسات لهذا النوع من الامراض يعد الأفضل بالنتائج الملموسة التي تظهر على الأشخاص الذين يعانون منه.
محو الأفكار السلبية بالفن
ان الرسم هو استعمال منظّم للخيال والحلم وفيه حرية وتلقائية تعبيرية عن مكونات النفس وآلامها ومعاناتها وخيالاتها من خلال الصور واللون والتشكيل والرموز- قال جان كوكنو “الفن ليس طريقه معقده لقول أشياء بسيطة… بل طريقه بسيطة لقول أشياء معقده”.
وتابعت، ان العلاج بالفن يقوم على تعديل الافكار والسلوكيات والمزاج والاحاسيس والمشاعر بالممارسة المستمرة للرسم وتطبيق تقنيات العلاج بحسب حالة الفرد.
مراحل تطور الرسم
قبل سنة- تحريك اليد على الورقة: يفرح بالأثر الذي يتركه.
من سنة الى سنتين – مرحلة الخربشة: تبدأ السيطرة على اعصاب اليد وتآزر بين حركة اليد والعين.
٣ سنوات- البعد التعبيري: يرسم الطفل ما يريد التعبير عنه ويسميه.
٤-٧ سنوات: يرسم الواقع دون مراعاة كبيرة للأحجام الطبيعية، والهدف التعبير لا التصوير إلا بحالة امتلاك الطفل موهبة الرسم وهنا يعمل الاهل على موهبة ولدهم وتطويرها.
٧-٩ سنوات -مرحلة الذكاء الواقعي والشفافية أي يرسم البيت مثلا بتفاصيله وكأنه يرى ما بداخله.
٩-١١ سنة: مرحلة بداية الرسم الواقعي واختفاء الشفافية كذلك يظهر التعصب الجنسي في هذا السن، هكذا يبدأ الطفل في هذه المرحلة التحول من الاتجاه الذاتي الى الاتجاه الموضعي.
١١-١٣سنه: مرحلة الواقعية الكاذبة هي التي يصل فيها مجهود التشكيل الى الطبيعة وتتميز هذه المرحلة بعزوف بعض الاطفال عن الرسم وقلة الانتاج الفني.
١٣-١٧: سنه-فترة الحسم والتصميم فهو يرسم وكأنه لا يرى الأشياء، فلا يعير اهتماماً للنسب ولا يراعي المنظور وهنا يبدأ الخيال بالتدخل في الاعمال الفنية.
واستكملت الرز، تتطور رسوم الاطفال من المرحلة الحسية -الحركية الى مرحلة إدراك الشكل مرورا بالمرحلة الواقعية وتنتهي بالتفكير المجرّد في مرحلة المراهقة.
وفي سياق علاجي – فنّي آخر يبرز أسلوب ناجح بالفن يساعد المكفوفين على الادراك وتمييز الأمور كالمشي في الطرقات ووجود السيارات والناس. إضافة الى تمكينيهم من تمييز الاحرف والأرقام وتتعدد الأساليب منها الرسم من خلال استعمال حاسة الشم وغيرها…
بصيرة ابعد من البصر
علاج المكفوفين بالفن تجربة فريدة وبعيدة انسانياً كما انها ليست حديثة بل بدأت أيام الفراعنة ويعتبرها الكثير من المعالجين قضية حياة وليست عمل او مهنة لأنها تختص بتقديم المساعدة لفئة معينة الا انها أيضا ما لبثت ان شملت جميع الفئات. وعلى مقلب انساني بحت هذا العلاج هو امل جديد للمكفوفين وتقنية واعدة لاسترجاع الابصار فحوالي 39 مليون شخص يعانون من عدم القدرة على الابصار حول العالم ويرجّح السبب الى وجود أخطاء في شبكة العين.
الاخصائية في علاج المكفوفين بالفن عالية عباس تقول عن هذا السلوك:
إنّ العلاج بالفن مع المكفوفين يتم عبر تنفيذ التقنيات والوسائل الفنية بطريقة مكيّفة للتعبير عن مشاعرهم وأفكارهم وللعمل على معالجة المشاكل النفسية والنفس- جسدية (القلق، الكآبة، اضطرابات الأكل، أوجاع الرأس، اضطرابات المعدة، …)
واردفت، يقوم هذا الفن على تنفيذ أنشطة وأعمال فنية هادفة وذلك من خلال تكييف الأدوات المستخدمة أو تكييف النشاط، ومثال على ذلك: لا يمكن تطبيق نشاط التلوين أو التصوير الفوتوغرافي مع الأشخاص المكفوفين، لذا يتم العمل على إضافة التعديلات المناسبة باستخدام الصور النافرة، استبدال الألوان بوسائل لمسية أخرى جاحظة كالمعجون أو الحصى، … ليتمكن الشخص الكفيف من تنفيذ النشاط الفني وتحقيق الأهداف العلاجية المرجوة.
وأشارت عباس بالقول، ان هذا النوع من العلاجات لا يطبق مع أشخاص مكفوفين في لبنان بحيث يتم تنفيذ أنشطة فنية بسيطة معهم لكنها ليست علاجية هادفة.
وعمّا إذا كان لهذا النوع من العلاجات إيجابيات على سبيل الحصر في لبنان؟
علاج المكفوفين في لبنان بصيص نور يُترجم بوسائل مكيّفة للتعبير الا انها لا تخلو من الصعوبات
اومأت الاخصائية عالية عباس، إن العلاجات غير الطبية أو تلك التي تقوم على استخدام تقنية محددة (كالرقص، الموسيقى واليوغا، …) ومنها العلاج بالفن بدأت تثمر حيث أظهرت نتائج فعّالة فيما يخص متابعة الأمراض النفسية والنفس- جسدية.
وغمزت الى انه في لبنان، يبقى موضوع تنفيذ هذا النوع من العلاجات مع الأشخاص المكفوفين صعبًا، وذلك بسبب الحاجة إلى ضرورة تأمين التجهيزات والأدوات المطلوبة لهذا النوع من العلاج (برايل، طابعة خاصة بالصور النافرة، …) وتكييف المكان بالإضافة للأدوات بما يتناسب مع احتياجات الكفيف وما يستتبعها من تكاليف مادية عالية.