مع ملامسة سعر صرف الدولار عتبة الـ40 ألف ليرة، باتت عملياً طريق السوق السوداء معبّدة للانطلاق في “رحلة الـ50 ألف ليرة” تحت وطأة انسداد الآفاق الحكومية والرئاسية في البلد وتلاشي الآمال الإصلاحية والإنقاذية توصلاً إلى توقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.
في ظل هذا الجوّ الضبابي والإنحداري، تبرز قيمة التداولات الكبيرة التي تتفاقم عبر منصّة “صيرفة” والتي وصلت منذ يومين الى 70.200 مليون دولار وأمس الى 30 مليون دولار (رغم إقفال المصارف أبوابها)، لتطرح تساؤلات حول العمليات التي تتمّ عبرها طالما أن المستوردين لا يستفيدون منها؟
ويعود حجم التداولات الكبير من خلال “ًصيرفة” التي تحوز على نسبة 80% أو 90% من سوق الدولار كما اوضح مصدر مصرفي لـ”نداء الوطن” الى “عمليات البيع وشراء الأموال التي تدخل وتخرج من خلال تلك المنصة عبر مؤسسات الصرافة الشرعية والمصارف ومؤسسات التحويلات مثل OMT و BOB finance… وأيضاً كل الدولارات التي تدخل الى لبنان وتخرج منه، بالإضافة إلى المشتريات التي لا تزال مدعومة وفق سعر الـ1500 ليرة لبنانية مثل الطحين وادوية الأمراض السرطانية والمستعصية والتي تسجّل على المنصة”.
وانطلاقاً من كل عمليات التداول من بيع وشراء الدولار التي تتمّ بين مصرف لبنان والمصارف ومؤسسات الصرافة، والتي تدخل وتخرج من البلاد، تحدَّد تسعيرة منصّة “صيرفة” والبالغة حالياً 29800 ليرة لبنانية والتي تغطي من خلال مصرف لبنان الدولارات للمصارف لتسديد السحوبات التي تحوّل من الليرة الى الدولار للمنح التعليمية ورواتب الموظفين العامين والعسكريين والمتقاعدين ويبلغ عددهم نحو 400 ألف شخص، والمستفيدين من “صيرفة الـ400 دولار أميركي”.
أما عن مصدر التمويل لتلك المنصّة والكلفة على ما تبقى من الإحتياطي الإلزامي لمصرف لبنان، فيؤكد المصدر نفسه أن “الأموال التي يتمّ تداولها عبر المنصة لا تموّل من احتياطيات مصرف لبنان سوى بتدخل يومي ضئيل تتمّ معادلته الى حدّ ما مع إجمالي الدولارات التي ترد من مؤسسات الصرافة والحوالة في نهاية الشهر، ويعني ذلك ان مصرف لبنان قد يتدخّل اليوم بقيمة 20 مليون دولار من أصل 70 مليون دولار وغداً قد يتدخل بقيمة أقلّ أو قد لا يتدخّل، عندها يتم التعادل نسبياً في نهاية كل شهر”.
وفي ما يتعلق بمصدر الأموال التي ترد الى مصرف لبنان، يوضح المصدر أنّ “المركزي” يشتريها من مؤسسات الصرافة الكبيرة والتحويلات المصرفية وفق سعر صرف السوق السوداء، علماً أن مؤسسات التحويلات تخيّر متلقي الحوالة، بين الحصول على أمواله بالليرة اللبنانية وفق سعر السوق السوداء أو بالدولار النقدي. ويحمل صاحب المؤسسة الدولارات التي بحوزته الى مصرف لبنان ليحصل في المقابل على ليرة لبنانية وفق سعر السوق السوداء على أن تضاف اليها كلفة الشحن والنقل والتأمين والعمولة.
في ظلّ هذا الواقع، ما هو إذاً سبب التراجع المستمرّ في قيمة إحتياطيات مصرف لبنان؟ يجيب المصدر أن ذلك يعود الى سببين: الأول تراجع سعر صرف اليورو دون الدولار الواحد الى 0.986 دولار والثاني الى التعميم 158 اذ يسدّد “المركزي” جزءاً من قيمة الـ400 دولار نقداً من الإحتياطي لنحو 160 ألف حساب.