نضال العضايلة
سأعيد ما كتبته عنها قبل سنوات مضت، والمناسبة حصولها على الدكتوراة في الإعلام الرياضي كأول سيدة أردنية تحقق هذا الإنجاز.
مثل هذا المنجز الفريد من نوعه ما كان سيبزغ في صورته المُثلى لو لم تشتغل عليه وتقدمه اعلامية نهمة، ومفكرة جريئة، وكاتبة ذات قلم مرهف الأحاسيس وروح استثنائية قادرة على التسلل بخفة ورشاقة إلى عقل وقلب القارئ مثل الاعلامية الرياضية الاردنية الدكتورة “منال بزادوغ” ام جمال.
من دون تحقيق تلك المُعادلة الصعبة في شخصيتها سيكون مصير كل فكرة مشابهة تطمح لجمع الألق من اوسع ابوابه هي الخروج في ثوبها ذو المذاق الإنساني والاجتماعي والعاطفي المشوق البعيد عن المجاملات، وهو ما نجحت درة الاعلام الرياضي في الاردن في تجاوزه بتقديمها عملاً يكون في متناول الجميع، القارئ العاشق للرياضة، والقارىء العادي.
تعتبر هذه الاعلامية إضافة نوعية متميزة لأرشيف الرياضة الاردنية والعربية المعاصرة، وبتسليط الضوء على ما حققته في الماضي والحاضر على مدى عقود طويلة، يقدم للجيل الاردني المثقف، الذي يرفض الثقافة الرياضية او ما يسمى (البرمجة العقلية)، ويرفض الانتماء للثقافة المجتمعية النمطية، نماذجًا حُرة الروح، تستحق أن تكون قدوة لكفاح مجتمعي، وإنساني، وفكري، وإبداعي، ويقتبس من حكاياتها وقودًا معنويًا لخطواته فيشجع ترددها، ويؤكد على صحة وجهتها.
في رحلة توغلي بين صفحات الاعلامية الجهبذ ام جمال وحكاياتها الممتعة اكتشفت أن الرياضة هي الرياضة، واكتشفت ان الدكتورة منال بزادوغ بما تملكه من روح وكيان ووجدان مهما تغير عليها من عقود، ومهما بعدت المسافة بين المكان أو الزمان.
الدكتورة الرائعة وعلى تنوع كتاباتها واختلافها لا تصنع السطور قدر ما تصنع المعرفة والشغف وتقديم شيء جديد لهذا العالم.
ام جمال من الشخصيات المكافحة الملهمة التي بدأت من الصفر، لا بل من تحت الصفر لتتجاوزه وتنتصر على عقباته، وقد بدا ذلك واضحاً في اختلاف مشاربها وتوجهاتها التي تجمع بين صفات معنوية طبعت بصماتها على كيانها فميزتها بين بقية من كتبوا في الرياضة وعن الرياضة، منها الروح التواقة للكمال قدر المستطاع، والأحاسيس المرهفة، والنفس الأبية العزيزة التي لا تقبل الضيم أو النفاق، والشغف تجاه المعرفة والسعي في طلبها من كل طريق، والشعور بالغربة الداخلية الموجعة تجاه ما يحدث في مجتمع الرياضة من أخطاء.
من أهم ما يلفت نظر من يقرأ الدكتورة منال بزادوغ هي أن هذه السيدة كافحت لتحويل “أحلامها” التنويرية إلى “واقع” يكسر المستحيل ويقهره، بل كانت تغوص في عالم الاعلام الرياضي لتشق طريقها الخاص في رحلة بحثها للإجابة عن تساؤلات عقلها الكثيرة، ومن ثم محاولة النهوض بهذا القطاع المهم من عثرات التخلف والتقليدية والارتقاء بكيانه على الصعيد المعرفي، ودون استثناءات.
وإذا كان الثمن على هذه الأرض كبيرًا جدًا بالنسبة للرجال، فإنه أكبر كثيرًا حين تكون امرأة تعيش في بيئة لازالت تصطنع العراقيل تلو العراقيل لحرمانها من تحقيق طموحاتها وتحقيق أحلامها، وكم أجادت بزادوغ في تقديم صور من تحدين الواقع لتحقيق ما يشبه المستحيل.
وعلى مدى طويل أضافت بزادوغ إلى تجربتها خصوبة معرفية وإنسانية ضاعفت من كنوز شخصيتها، إلى الحد الذي استحقت أن اكتب عنها في رؤية تحليلية منفردة لحكاية شخصية كانت ولا زالت ملهمة للكثير من بنات الجيل الحالي، وذلك جزاء لما قدمته لـ”صورة الإعلامية الرياضية” والتي اثبتت أن نضج تلك شخصيتها الاستثنائية كان من أهم أسباب حضورها على أكثر من صعيد.
ان حكاية ام جمال التي تجمع بين صور البهجة والسلام والأمل، كانت سببا في ان اغوص بين سطور حياتها لاكتشف عالمًا جديدًا نعيش أيامه مع شخصيات قدمت الكثير، واستحقت جهودها أكثر من كثير.
الدكتورة منال بزادوغ المتزوجة من الإعلامي الرياضي القدير والرائع محمد قدري حسن، الذي يشهد له الداني والقاصي بمهنيته العالية وقدرته الكبيرة في تطويع المايكرفون، كانت اول رياضية اردنية تترشح لخوض انتخابات البرلمان الاردني، حاصلة على شهادة البكالوريس تربية رياضية والماجستير في الإعلام، والدكتوراة في الإعلام الرياضي، وهي مؤسس ورئيس القسم الرياضي في إذاعة عمان نت سابقآ / البلد حاليآ، ورئيسة القسم الرياضي في الكثير من الإذاعات الاردنية، وعضو مجلس إدارة الإتحاد الأردني للإعلام الرياضي منذ عام 1993 ولعدة دورات انتخابية، وعضو في العديد من الاتحادات الرياضية الاردنية، كما انها مشاركة في برنامج تعزيز مشاركة المرأة الأردنية في الإنتخابات البرلمانية الثامنة عشر.
وفي النهاية لا يسعنا الا ان نقف احتراماً لهذه السيدة العظيمة، ونرفع القبعات تقديراً، واجلالاً لها، ولا ضير ان اطلقنا عليها لقب السيدة الأولى في اكاديميا الإعلام الرياضي الأردني.