لاحظ سكان بيروت وضواحيها، والقادمون إليها من مختلف المناطق، أن العاصمة تنفست الصعداء مع تنفيذ الخطة الأمنية التي أعدها وزير الداخلية، وتم تطبيق إجراءاتها بمهنية عالية من قبل عناصر قوى الأمن الداخلي، وشرطة بيروت.
حركة السير إنتظمت، زحمة الشوارع خفّت، مخالفات السيارات والدراجات النارية قُمعت، وبدت المدينة وكأنها تخلصت من رواسب ثقيلة في شوارعها، والنظام الذي إفتقدته فترة طويلة بدأ يعود إلى طرقاتها، كما أن التلوث بالدخان الأسود بدأ يغادر فضاءها.
ولكن ما أن إنتهى الأسبوع الأول من بدء الخطة، حتى علت صرخة الإحتجاجات على تطبيق النظام العام في العاصمة والضواحي، وتطورت بعض الإشكالات مع رجال الأمن إلى إشتباكات ومواجهات مباشرة. ونشُطت التدخلات من كل حدب وصوب، لتخفيف جدّية الإجراءات تارة، وللإفراج عن السيارات والدراجات المحتجزة تارات أخرى.
وبدأت الإنتقادات والإفتراءات تُوجَّه إلى وزير الداخلية، الذي تجاوب مع مطالب الناس في الحد من المخالفات والتجاوزات، التي إستباحت شوارع العاصمة والضواحي، دون مراعاة لأبسط قواعد القانون، ودون إحترام أدنى حقوق الناس بالسير في طرقات مدينتهم، بأمن وسلام، بعيداً عن خطر النشَّالين على الدراجات، وبمنأى عن مخاطر التجاوزات في الشوارع وعلى الأرصفة.
ومن المحزن القول أن الضغوط التي مورست على الوزير القاضي بسام مولوي، قد أدّت، ليس إلى تخفيف جدية الإجراءات وحسب، بل وأيضاً إلى تجميد الكثير من التدابير التي كان الهدف منها تنظيف شوارع بيروت من المخالفات والتعديات على الأملاك العامة، وتوفير البيئة المناسبة لسكان العاصمة.
إجهاض هذه التجربة المهمة في تطبيق القوانين والأنظمة المرعية الأجراء، يجسد الواقع اللبناني المرير، الذي يعاني من هيمنة المستقوين على تطبيق القانون والنظام العام، والمتفلِّتين من أية ضوابط قانونية وأخلاقية، والموغلين في إرتكاب التجاوزات، دون حسيب أو رقيب، والمتلطِّين دائماً بالزعامات الطائفية، والمحسوبيات الزبائنية.
إجهاض الخطة الأمنية قبل أن تبلغ أهدافها النهائية هو نموذج لحالة التسيُّب والانحطاط وضياع السلطة في لبنان، في زمن أصبح القوي بعضلاته يتقدم على القوي بعقله وإيمانه بلبنان وطن نهائي لجميع أبنائه، تحت خيمة العدالة والمساواة بين جميع اللبنانيين، بغضّ النظر عن طوائفهم ومناطقهم، وألوانهم الحزبية والسياسية.
بئس زمن الضياع والإنهيارات!!