لا وضوح في الرؤية السياسية لتطورات الوضع العسكري على جبهة جنوب لبنان. يبلغ التضارب الإسرائيلي مرحلة متقدمة جداً، في ظل اختلاف التقديرات والرؤى العسكرية، بين من يريد شنّ عملية عسكرية واسعة تتضمن حرباً برّية، وبين من يؤيد توسيع العمليات العسكرية الجوية وتكثيف الغارات على مواقع حزب الله، لإجباره على إبرام صفقة تؤدي إلى وقف إطلاق النار، وفصل جبهة لبنان عن جبهة غزة. التضارب الإسرائيلي انعكس في التعاطي مع مسألة إلقاء مناشير تدعو لإخلاء سكان منطقة الوزاني، والتي تم وضعها إسرائيلياً في خانة التصرّف الفردي من قبل قادة أحد الألوية.
ضغوط نفسية
ذلك ما يستحق التوقف عنده خصوصاً أن “التصرفات الفردية” لا يمكنها أن تحصل في جيوش نظامية، إلا إذا كانت هذه الجيوش تعيش صراعات على مستوى القيادة والأركان. التصرفات الفردية ربما تكون مفهومة على صعيد الميليشيات، إلا إذا كانت نوعاً من الاختبارات الإسرائيلية الجديدة، في إطار ممارسة المزيد من الضغوط ضد لبنان، وخصوصاً الضغوط النفسية على المواطنين الذين سيشكلون عناصر ضغط جديدة على حزب الله. وقد جاءت عملية إلقاء المناشير بعد ساعات من تسريبات إسرائيلية أشارت إلى الاستعداد لتوسيع العملية العسكرية ضد لبنان، وقبل انعقاد جلسة للحكومة الإسرائيلية للبحث في مسار الجبهة على الحدود اللبنانية، ووضع عنوان “إعادة سكان الشمال” كملف رئيسي على جدول أعمال الحكومة الإسرائيلية.
لا يزال حزب الله يستبعد إمكانية لجوء إسرائيل إلى شنّ حرب واسعة ضد لبنان. تشير المصادر القريبة منه إلى أن الإسرائيليين يتلقون رسائل دولية كثيرة، تمنعهم من الإقدام على خطوة متهورة. يستند الحزب إلى ما قاله المتحدث باسم البيت الأبيض جون كيربي، حول مخاطر اندلاع صراع أوسع مع حزب الله، وأن إسرائيل ستتكبد خسائر باهظة بنتيجته.
لا ينفي الحزب أن الأميركيين يمارسون أقصى أنواع الضغوط لمنع تل أبيب من الإقدام على خيار الحرب. كذلك لا يخفي الحزب عدداً من أوراق القوة التي يمتلكها، وهي ورقة توسيع الجبهات، ربطاً بالرسالة العسكرية الواضحة التي وجهت إلى إسرائيل صباح يوم الأحد من خلال إطلاق الحوثيين لصاروخ بالستي عبر مسافة 2000 كلم. بالنسبة إلى حزب الله، فإن أي تصعيد عسكري إسرائيلي ضد لبنان سيؤدي إلى فتح وتوسيع جبهة اليمن ضد إسرائيل. وهو ما لن تكون تل أبيب قادرة على تحمّله.
مسارات إسرائيلية
جانب من التسريبات الإسرائيلية ورفع منسوب التهديدات، يأتي في سياق استباق زيارة المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، الذي يحمل رسالة واضحة بضرورة لجم التصعيد ومنع حصوله. في مقابل تسريبات ديبلوماسية أخرى ترى أن الإسرائيليين اتخذوا قراراهم بالتصعيد ولن يتراجعوا عنه، إلا أن الأميركيين يحاولون حصر هذا التصعيد وإبقائه متدرجاً، مع تحييد مناطق أساسية لمنع انفجار الحرب الكبرى، أي حصر العمليات في الجنوب أو البقاع، وتحييد بيروت والضاحية مقابل تحييد تل أبيب.
بالنسبة إلى حزب الله، فإن كل المواقف الإسرائيلية تعمل على ثلاثة مسارات، المسار الديبلوماسي، من خلال استدراج الدعم الدولي وتحشيد القوى الدولية للضغط على حزب الله ولبنان ودفعهما للقبول بشروط وقف إطلاق النار. والمسار الإعلامي المتمثل بالتسريبات والتصريحات اليومية حول الاستعداد لتوسيع العملية العسكرية. والمسار العسكري من خلال توسيع نطاق العمليات الجوية وتكثيفها كمحاولة لدفع حزب الله إلى تغيير موقفه. يضع الحزب كل هذه الضغوط في سياق استباق زيارة هوكشتاين الذي يفترض أن ينقل رسائل واضحة ومباشرة للبنانيين.
لا يغفل حزب الله حسابات “المجتمع الإسرائيلي” والمستوطنين، الذين يمارسون الكثير من الضغوط على حكومتهم، في سبيل إعادة الاستقرار وتوفير ظروف عودتهم إلى منازلهم، وذلك من خلال المطالبة بوقف إطلاق النار مع حزب الله، وتوفير ظروف افتتاح الموسم الدراسي في “الشمال”. لا يزال حزب الله مستبعداً اندلاع حرب إسرائيلية كبرى ضده. ويؤكد أن أي لجوء إسرائيلي إلى توسيع العملية العسكرية مع لبنان، لن يسهم في إبقاء المواجهة محصورة عند الحدود اللبنانية، بل إن جبهات أخرى ستفتح.
المصدر – المدن