في اسبوع واحد، فقد لبنان قامتين وطنيتين، ورجلي دولة، الرئيس سليم الحص، والوزير جورج قرم، وكل منهما حمل القيم، وتمرس بالاخلاق، وهما كانا من فكر عابر للطائفية، ومن دعاة لبنان الواحد، ومن مدرسة اقتصادية تعتبر الانتاج هو اساس لدولة الرعاية الاجتماعية، ولا تقوم مؤسساتها على المحاصصة والمحسوبية واعتبار المواطن زبونا، فابتعد الرئيس الحص عن “الربائنية”، وهو لذلك لم يعمل الى “شعبوية”، فلم يدخل في لعبة ما هي حصتي، كما فعل غيره.
من رجال السلطة، وزعماء الطوائف، الذين لم يقيموا دولة المواطنية، فكانت مؤسساتها تتفكك مع كل ازمة سياسية ودستورية، واقتتال داخلي.
فسليم الحص، لم يطلب شيئاً لنفسه فبقي حراً وقوياً، ولم يدل احد عليه بانه من الطبقة السياسية او الحاكمة الفاسدة، فمن خرجوا الى الشارع في 17 تشرين الاول 2019، لم يتجهوا الى بيت الحص، كما فعلوا تجاه سياسيين او مسؤولين اخرين لانه بنظرهم، كما في عقول كل اللبنانيين “الرجل الآدمي”، الذي نال وصف “ضمير لبنان”.
يرحل الرئيس الحص عن 95 عاماً، ويترك وراءه نموذجاً للمسؤول نظيف الكف، والذي حاول ان ينقل لبنان الى مرحلة ما بعد الحرب، فكان شريك رئيس الجمهورية الياس سركيس الذي انتخب في العام 1976، واتى بزميله الاقتصادي سليم الحص رئيساً للحكومة، وكلاهما تميزا بالتواضع، وايمانهما بالمؤسسات.
وعندما تولى الرئيس الحص رئاسة الحكومة في اول عهد الرئيس اميل لحود، شكل حكومة، اوكل للوزير جورج قرم وزارة المالية، وكلاهما كانا مناهضين، للسياسة المالية للرئيس رفيق الحريري، والتي قامت على الاستدانة، وتراكم خدمة دين، وعلى اقتصاد ريعي، فحاولا تصحيح الوضع السياسي والمالي والاقتصادي، والحد من الهدر والرشوة والفساد، لكن اصحاب المصالح والمال والاقطاع السياسي، تمكنوا منهما فاسقط الحص في الانتخابات النيابية عام 2000، فاعتزل العمل السياسي، وذهب الى تأسيس “ندوة العمل الوطني”، وشاركه قرم وشخصيات سياسية وفكرية ووطنية في نشاط الندوة، التي اغنت الحياة الفكرية والسياسية بمخزون من المعرفة، التي يقوى بها المجتمع، فترك الحص وقرم لمكتبتنا زوادة من انتاجهما تغذينا بالفكر، وهي تزيد عن اكثر من عشرين كتاباً لكل منهما.
في لبنان سياسيون “اوادم”، ومفكرون حاولوا تطوير المجتمع في لبنان، والنهوض به، لكن شعبه لا يقبلهم، بل يحب من يذله.