ثمة ما يجِب التوقف عنده في تعامل القوى السياسية مع مسار تشكيل الحكومة، وهو ما يدفع هذه القوى إلى التشدّد في شروط ولادتها، مع ارتفاع منسوب الإهمال العربي والدولي للساحة الداخلية. في الأيام الماضية، تراجعت حظوظ تسريع تأليف الحكومة بعد تسريب الفيديو الذي يتهم فيه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الرئيس المكلف سعد الحريري بالكذب خلال دردرشة مع الرئيس حسان دياب، ما جعل ملف الحكومة برمته قيد الانتظار، وكل ما يحيط به من اتصالات لا تعدو كونها محاولات شبه ميتة، بينما يعمل كل طرف على تعزيز تموضعه. فما السرّ وراء هذه التسريبة؟ لماذا انفجر الصراع المكتوم بين بعبدا وبيت الوسط الى هذا الحد؟ هل ثمّة من يؤيّد عون في استبعاد الحريري عن المشهد برمته؟ ماذا عن موقف حزب الله؟ كلها أسئلة تجتاح لبنان مع تمادي المنازلة بالبيانات والاتهامات المتبادلة، فيما تتحول البلاد الى كيس ملاكمة لا يعرف من أين تأتيه الضربات.
في هذا الوقت، اختار الحريري إدارة ظهره إلى الداخل وتفعيل حركته في الخارج، لأسباب لا تزال «مبهمة». وهي حركة بدأها خلال الأعياد من أبو ظبي، واستكملها في إسطنبول بلقاء مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان. وبعدَ عودته الى لبنان من الزيارتين الى بيروت التي لم يمكث فيها أكثر من يومين، غادر لبنان مجدداً أمس الى دبي في زيارة غير معلنة، لا في الشكل ولا في جدول الأعمال، فيما علمت «الأخبار» أنه ينتظِر «تأشيرة» من مصر التي طلب موعداً لزيارتها ولقاء رئيسها عبد الفتاح السياسي.
وقد حملت مغادرة الحريري لبيروت الى دبي إشارات عديدة، جعلتها محور متابعة من قبل الداخل، لأنها تأتي على وقع انفتاح إماراتي على تركيا وانفتاح تركي باتجاه أوروبا، ما وسّع دائرة التحليلات حول «دور يلعبه الحريري على هذا الصعيد»، تولّت جهات إعلامية الترويج له. وفيما يبقى الاحتمال الأكبر هو أن يكون الحريري نفسه وراء تسريب خبر «المهمة السرية» التي يقوم بها، للإيحاء بوجود غطاء إقليمي يظلّله بما يمنع الاستفراد به في معركة تشكيل الحكومة، ولا سيما بعدَ أن صارَ موقف بعبدا واضحاً لجهة رفضها الإكمال بتكليف الحريري، أكدت أوساط سياسية أن «المعلومات التي تتحدث عن دور للحريري في المنطقة لا أساس له من الصحة»، وأن «الحريري هو من يحاول إقحام نفسه في المشهد الإقليمي، مُستغلاً اللحظة لحماية نفسه». وقالت المصادر إن الرئيس المكلف يريد أن يقول للقوى السياسية إنه «على عكس رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، ليسَ معزولاً، وإن أبواب العالم العربي مفتوحة أمامه، ما سينعكس إيجاباً على أي حكومة يترأسها». كما يريد الحريري الإيحاء، من خلال هذه الحركة، بأنه «لا يزال رقماً عند اللاعبين الإقليميين، وهو الجهة المعتمدة لديهم كممثل عن الطائفة السنيّة في لبنان».
المصدر: الاخبار