أظهرت نتائج الجلسة العاشرة لانتخاب رئيس الجمهورية أنّ العلاقة بين «التيّار الوطني الحرّ» وحزب الله، لم تعد الى ما كانت عليه قبل التوتّر الأخير الذي حصل بين الحليفين، على خلفية حضور وزيري الحزب، جلسة مجلس الوزراء التي دعا اليها رئيس الحكومة المستقيلة نجيب ميقاتي وقاطعها 8 وزراء محسوبين على «التيّار» وعلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون. فـ 9 أصوات من نوّاب تكتّل «لبنان القوي» لم تصبّ هذه المرّة لمصلحة «الورقة البيضاء» التي التزم بها الثنائي الشيعي والتكتّل طوال جلسات الانتخاب السابقة، ما عدا الجلستين التاسعة التي اعتمد فيها بعض نوّاب «التيّار» على عبارتي «ميشال» و»معوّض» بشكل منفصل، والعاشرة أي الأخيرة التي جرى خلالها اعتماد عبارة «الميثاق» في رسالة واضحة لميقاتي، كما لحزب الله.
مصادر سياسية مطّلعة أكّدت أنّ العلاقة المتوتّرة بين «التيّار الوطني الحرّ» والحزب تحتاج الى إعادة ترميم، وهذا الأمر لم يكن ليحصل بهذه السرعة والسهولة، فالخلاف في وجهات النظر بين الحزبين على أمور عديدة بات بحاجة الى إيجاد حلّ جذري له، سيما إذا قرّر الطرفان استكمال مسيرتهما على الساحة السياسية معاً. وتقول المصادر انّ الخطوة التي قام بها «التيّار» جعلت رئيس «حركة الاستقلال» النائب ميشال معوّض يفوز للمرة الأولى على منافسته الورقة البيضاء، مسجّلاً 38 صوتاً مقابل 37، وذلك بسبب تراجع 9 نوّاب من «التيّار»، عن الاقتراع للورقة البيضاء. علماً بأنّ رئيس «التيّار» النائب جبران باسيل قد اعتذر عن حضور الجلسة لأسباب عديدة، منها تلافي اللقاء بنوّاب الحزب، في ظلّ الحديث عن التنسيق للقاء مرتقب بين الرئيس ميشال عون والأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، في حضور باسيل، لإعادة تعزيز «تفاهم مار مخايل».
وذكرت المصادر أنّ الجلسة التي لم تحمل أي جديد على صعيد التوافق على انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية، قد خَلَت بالتالي من أي «عيدية» للمواطنين عشية عيدي الميلاد ورأس السنة، على ما كان متوقّعاً. وقد وصفها أحد النوّاب من خلال اقتراعه بأنّها «صارت مسخرة»، في حين شدّد آخر على «الأولويات الرئاسية»، وانتخب ثالث لـ مارتن لوثر كينغ، الزعيم الأميركي من أصول أفريقية، الذي طالب بإنهاء التمييز العنصري ضدّ السود، وناضل في سبيل الحرية وحقوق الإنسان، وحصل على جائزة نوبل للسلام. كما انتخب آخران لصالح «التوافق»، الأمر الذي أظهر عدم إعطاء النوّاب الجديّة اللازمة لاستحقاق مهمّ جدّاً هو انتخاب رئيس الجمهورية. فانتخاب الرئيس من شأنه على الأقلّ إيجاد الحلول للأزمات المستشرية التي يعاني منها اللبنانيون مع بلوغ سعر صرف الدولار الـ 43 ألف ليرة لبنانية. وقد قال رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» النائب سامي الجميّل خلال فرز النتائج «ما فينا نذلّ الناس أكتر من هيك، شي بيقرّف».
أما الجلسة الـ 11 لانتخاب رئيس الجمهورية، فقد جرى ترحيلها الى ما بعد عيدي الميلاد ورأس السنة، من دون تحديد أي موعد لها من قبل برّي الذي رشح عن مصادره، على ما عقّبت المصادر نفسها، أنّه لن يُبقي الأمور على ما هي عليه، وستكون أيام عطلة الأعياد فرصة لإيجاد حلّ ما لتحريك الجمود الحاصل. فالمعروف عن برّي أنّه يُنتج الحلول عادة عندما تسدّ الطرقات، وبعد أن جرى رفض دعوته الى الحوار مرتين متتاليتين، لا بدّ وأن يتخذ الموقف المناسب للتقريب في وجهات نظر النوّاب الـ 128، لكي يؤدّي توافقهم في نهاية المطاف الى انتخاب الرئيس الجديد للبلاد. وقد لوحظ أنّ أحداً لم يأتِ على ذكر تحويل جلسة الإنتخاب الى جلسة حوار، على ما سبق وأن اقترح برّي في نهاية الجلسة الماضية، ما دلّ على أنّ اي من النوّاب لم يأخذوا دعوة برّي على محمل الجدّ أيضاً.
علماً أنّ بعض نوّاب «القوات اللبنانية» قد أوضحوا أنّهم ليسوا ضدّ الحوار، غير أنّهم يُصرّون على حوار بكامل مندرجاته، وداخل مجلس النوّاب، على أن ينتهي هذا الحوار، مع إبقاء الجلسات مفتوحة بانتخاب الرئيس الجديد للجمهورية. كما شدّدوا على ضرورة حصول الحوار في مجلس النوّاب كونه المعني بانتخاب الرئيس. فيما عارض نوّاب تكتّل «لبنان القوي» دعوة برّي الى الحوار، كونها من صلاحيات رئيس الجمهورية، وقد سبق وأن رفضت كتل وأحزاب عدّة دعوة الرئيس عون الى الحوار، رغم أنّ هدفها كان الأتفاق على عناوين محدّدة لوضع الأمور في نصابها، وعدم ترك مصير البلاد للمجهول. ولو حصل الحوار في حينه، لكان تجنّبت البلاد ما تعانيه اليوم بسبب الشغور الرئاسي، المرجّح الى أن يمتدّ الى أشهر عدّة من العام المقبل، في حال لم يتمّ التوصّل الى التوافق بين جميع القوى والأحزاب والكتل النيابية على أسس المرحلة المقبلة.
وعن انتظار النوّاب لكلمة السرّ من الخارج، أشارت المصادر عينها الى أنّ من ينتظرون هذه الأخيرة، إنّما يضيعون وقتهم ووقت الشعب اللبناني هباء. فحتى الساعة، لم نسمع أي موقف حاسم من قبل أي دولة من دول الخارج لا أميركا ولا فرنسا ولا السعودية، ولا إيران ولا قطر وسواها لانتخاب هذا المرشّح أو ذاك. كما أنّ جميع الدول بالتالي تدعو النوّاب الى انتخاب رئيسهم، وعليهم تحمّل المسؤولية، ولبنَنَت هذا الإستحقاق من خلال التوافق فيما بينهم على المرشّحن الذي بإمكانه التوفيق بين جميع الأطراف والمكوّنات السياسية. ولهذا يبدو انتظارهم لا فائدة منه، وقد يطول كثيراً، فيما يدفع اللبنانيون أنفسهم ثمن بقاء البلاد من دون رئيس للجمهورية.
كما سُجّل خارج جلسة الإنتخاب رفض بعض النوّاب اقتراح «تدويل» الأزمة، كما أفادت المصادر، على اعتبار أنّ نقل النقــاش من الداخل الى التدويل من شأنه أن يضيف خلافاً جديداً الى الخلافات الداخلية، فضلاً عن كونه يزيد الأمور تعقيداً. كذلك فإنّ «التدويل» قد يعني أيضاً توطين اللاجئين الفلسطينيين والنازحين السوريين في لبنان، إذا ما ارتأت دول الخارج هذا الأمر، وهي تسعى الى تطبيقه بشتّى الوسائل منذ سنوات عديدة، وقد تنجح فيه هذه المرّة، سيما إذا لم يكن بإمكان الداخل اللبناني الاعتراض على الاقترحات الدولية.