بعدما سلك لبنان درب الدول النفطية بقوة مقاومته ووحدة صف قياداته الرسمية، يبدو انه قطع في المقابل كل دروب التسويات السياسية وهذه المرة بهمّة وتوقيع التيار الحر المتهم الأول والأخير بالعرقلة عن قصد أو بتوجيهات خارجية… واشنطن مثلا لم تعد تبحث عن أية حكومة لبنانية في عهد رئيس الجمهورية ميشال عون، يكفيه انه منح فخر توقيع ترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة وأخذ في المقابل تنازلا أميركيا غير معلن بعد عن إسقاط العقوبات عن صهره جبران باسيل، وفي المقابل فان رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي اكتفى بمنحه وحكومته وكالة بصلاحيات الرئاسة الأولى فأخذ الصفقة دون الانتباه لحجم الأزمة الدستورية والسياسية التي سيواجهها لبنان بعد ٣١ تشرين الأول الجاري.
ad
ربما يتغاضى المكوّن الشيعي في البلد عن هفوات التيار الحر ورئيس الجمهورية في مسألة الحكومة على اعتبار انه لا يتحمّل وحده عرقلة تشكيلها، ولكن كيف سيمرر لحليفه مسألة مقاطعة جلسات الحوار النيابية التي يحضّر لها رئيس مجلس النواب نبيه بري «رئيس المؤسسة الدستورية الوحيدة التي ما زالت عاملة في هذا البلد»، فالحوار المنشود وان كانت نتائجه لن تقر داخليا بالتوافق على رئيس للجمهورية، ولكنه على الأقل «سيؤدي مهمة أساسية تتمثل بالحفاظ على التوازن السياسي المطلوب لحين إنضاج التسوية الخارجية حول الرئيس، والأهم انه سيحفظ ماء وجه كل اللبنانيين لجهة ان هذه اللقاءات الحوارية ساعدت في الاتفاق على رؤية موحدة حول الشخصية المطلوبة للرئاسة أي بمعنى صُنعت لبنانيا».
ولكن للأسف، فان الحوار الذي ينشده بري ويتغنّى به التيار الحر في العلن، له قصة مختلفة خلف الكواليس فقيادات التيار لا تتوانى عن التأكيد بأنها ستقاطع أي حوار يمكن أن يعتبر كبديل عن الرئاسة الأولى ودور الرئيس، أو بمعنى أوضح يمكن أن يشكّل الغطاء السياسي للحكومة لمصادرة وانتهاك صلاحيات الرئيس بالوكالة.
وسألت المصادر البرتقالية: كيف يمكن للتيار الحر إعطاء الرئيس بري هذا التفويض في وقت انه مشارك مع ميقاتي ورئيس الاشتراكي وليد جنبلاط في عرقلة تشكيل الحكومة حتى اللحظة، وانه لم يفوّت أي فرصة لعرقلة الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي كان يريدها عون، وبكل صراحة نقول بأن بري هو المتهم الأول بالشراكة مع كل خصومنا في عرقلة العهد وإفشاله والتضييق عليه.
ولكن وجهة نظر التيار بالنسبة للحوار مختلفة كليا عما تقوله مصادر قيادية في الثنائي الوطني والتي أكدت على «ان دعوة رئيس المجلس للحوار بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون ليست في سياق تعبئة الفراغ الرئاسي أو الحلول شكليا مكان الرئيس كما يدّعي التيار الحر، ولكنها تأتي في سياق تقريب وجهات النظر بين مختلف القوى اللبنانية لمساعدتهم على التفاهم على الرئيس المقبل للجمهورية».
وكما يشدد الثنائي على أهمية هذا الحوار، يشدد أيضا على أهمية تشكيل الحكومة حتى لو في آخر دقيقة من عمر العهد، فالحكومة سوف تقينا شر الخلافات الدستورية والميثاقية المنتظرة وستقطع الطريق على المعرقلين «للحوار الذي يحضّر له رئيس المجلس» والمطلوب بشدّة في ظل هذه الأجواء المشحونة وغياب أي أفق لانتخاب رئيس للجمهورية خلال الأشهر القليلة المقبلة.
وكشفت المصادر عن تفاصيل تسوية «رئاسية وحكومية» تعمل عليها فرنسا بالشراكة مع أكثر من دولة عربية واقليمية تقضي بتسمية رئيس حكومة العهد الجديد بالتوافق مع السعوديين في مقابل وصول شخصية محسوبة على محور الممانعة الى الرئاسة الأولى، ويجري هذا الحديث وسط معلومات مؤكدة عن مسعى جدّي لتعديل بعض ما ورد في بنود الطائف وتحديدا لجهة المهل الدستورية.