الجميع يعلم ان الوضع المعوّج في مخيم عين الحلوة القائم منذ سنوات طويلة هو نتيجة الصراع العربي- “الإسرائيلي”، ومرات عدة تقلّب عبر السنوات جراء تطورات إقليمية. الا ان الاحداث الأخيرة كشفت ان العين على صيدا، وفقا لمحللين سياسيين ولمصادر امنية متابعة للاشتباكات الأخيرة باعتبارها بوابة الجنوب، ونزع بعض المقومات منها جعلها متقوقعة جغرافيا وديمغرافيا.
تأسس مخيم عين الحلوة في لبنان في عام 1948 بعد حرب “الاستقلال الإسرائيلية” والنكبة التي اعقبتها. وأقيم المخيم لاستضافة اللاجئين الفلسطينيين الذين فرّوا من ارضهم خلال تلك الفترة الصعبة. والمخيم الذي يقع في مدينة صيدا اللبنانية، هو واحد من أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. وتجدر الإشارة، الى ان إقامة هذا المخيم تمّت بشكل غير رسمي في البداية، حيث عمد اللاجئون الفلسطينيون الى انشاء مأوى لهم من المواد المتاحة في ذلك الوقت. لكن مع مرور الزمن تطور ونما بصورة تدريجية ليصبح مكانا مزدحما بالسكان ويحتوي على بنية تحتية تكاد تنافس البنى التحتية اللبنانية. ورويدا رويدا بدأت السلفية الجهادية بالتنامي في مخيمات الفلسطينيين في لبنان، حتى انه بات مكتظّا بالإسلاميين الذين اغتالوا “العرموشي” مؤخرا وأشعلوا فتيل الاقتتال الاخير داخل المخيم بإيعاز إقليمي.
هكذا استطاعت الفصائل الفلسطينية ادخال السلاح وبناء دولة داخل عين الحلوة! وفقا لمعلومات دقيقة وليست خفية على أحد، فإن السلاح وبناء هياكل دولية في مخيم عين الحلوة والمخيمات الأخرى في لبنان، كان بسبب الظروف السياسية والاجتماعية الشائكة في هذه المناطق على مر العقود.
وعن المعارك التي شهدها مخيم عين الحلوة، قال النائب عن مدينة صيدا الدكتور عبد الرحمن البزري لـ “الديار” انه “مما لا شك فيه ان صيدا تأثرت بنسبة كبيرة وبشكل سلبي بالأحداث الأمنية الأخيرة او التي سبقتها والمتكررة في مخيم عين الحلوة. وهذا انعكس على الدورة الاقتصادية والحياتية والمعيشية والتربوية وحتى الإدارية في المدينة نفسها، وأدى الى خسارة بعض المصالح فيها للعديد من الزبائن والى تجميد بعض الاشغال والمهن نتيجة لتكرار الاحداث الأمنية وخطرها على المدينة وزوارها”.
أضاف”تعتبر صيدا بوابة الجنوب وعاصمته، وهي عاصمة المقاومة وبوابتها أيضا، كما انها عاصمة الشتات الفلسطيني بما انها تضم أكبر مخيم فلسطيني في لبنان وهو عين الحلوة. وأردف قائلا: “هي حاضنة رئيسية للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني وللقضايا الحياتية والإنسانية. لذلك لا نستغرب ان تستهدف المدينة كونها تعطي نموذجا متميزا عن غيرها في زمن مطلوب فيه التناحر والتناقض”. ولفت “الى وجود سبب آخر يتمثل باستقلالية موقف نوابها في دورة الندوة النيابية بحيث انهم دائما يقفون الى جانب الإصلاح وتحديث الدولة ومكافحة الفساد بعيدا عن اية اصطفافات أخرى”.
وتابع البزري “صيدا عاصمة الجنوب وبوابته وتمرّ من خلالها كل الحركة الى المناطق المحاذية لها من شرقي المدينة وصولا الى جزين والبقاع الغربي، إضافة الى كونها أيضا مفصلا ومفترقا أساسيا للوصول الى مناطق عديدة في لبنان لذلك فهي تنفرد بنسيجها السكاني كونها تضم مجتمعا متعدد الطوائف والمذاهب”. غامزا بالقول: “صحيح انها مدينة ذات اغلبية سنّيّة ولكن فيها تذوب الخلافات الفلسطينية – اللبنانية ويعامل الفلسطيني وكأنه في وطنه وموطنه وهذا النموذج يشكل تحدّيا للآخرين”.
وشدد “على ضرورة وجوب الاستمرار بوقف إطلاق النار وتثبيته، وان تُزال أسباب تكرار الحوادث الأمنية في المخيم وهذه المسؤولية فلسطينية وطنية، كما انها مسؤولية لبنانية لان التفلّت في عين الحلوة وتكرار هذه الخروقات قد انعكس سلبا على صيدا، وهذا اغضب الرأي العام الصيداوي ودعاه الى الإصرار على ان يكون هنالك موقف سياسي موحد في المدينة، يرفض معاودة الاشتباكات لما لها من تداعيات على صيدا نفسها ومحيطها وعلى القضية الفلسطينية ذاتها. ولا يمكن لاحد انكار ان الحوادث الأمنية الاخيرة سبّبت خطرا حقيقيا على مخيم عين الحلوة وهددت اهله وزعزعت خصوصيته كأحد أكبر المخيمات في لبنان”.
واوضح “ان المشكلة الحالية هي في التعددية الأيديلوجية والأمنية والعسكرية المتواجدة فيه، وللأسف تحوّل في فترة زمنية معينة الى مكان يتم ارسال معظم الملفات الأمنية اليه، خصوصا تلك التي تغاضت الدولة عن حسمها او ربما سهلت بعض القوى السياسية اللبنانية وصول بعض المتشددين الى المخيم، لذلك فان التعددية القائمة الآن في مخيم عين الحلوة تعد من أبرز نقاط الضعف الأساسية الأمنية. لذلك، فان المخيم بحاجة الى استعادة الثقة بين مختلف مكوناته خصوصا السياسية والتنظيمية الكبرى سواء اكانت وطنية او إسلامية من اجل إيجاد صيغة لضبط الوضع لمنع إعادة هذه الحوادث”.
واعتبر “ان التنافس بين القوى السياسية الفلسطينية والتنظيمات الفلسطينية هو إما جراء تزاحمهم على ساحة واحدة، او بسبب اختلاف في الرأي حول كيفية الوصول الى المطالب العادلة الفلسطينية، لذلك يجب الا تكون هذه الأهداف جزءا من التناحر داخل المخيم، وربما هي متواجدة على مستوى الساحة الإقليمية والعربية، ولكن لا ينبغي ان تكون جزءا من التباري، لان هذا من شأنه ان يؤدي الى ما لا تحمد عقباه، وقد يخسر هذا المخيم قيمته الوطنية والمعنوية الحقيقية”.