لا يبدو أن لبنان موضوع على سكّة حلّ أزماته في هذه المرحلة. جلّ ما ينتظره هو وضعه في خانة التبريد، خوفاً من انفجارات سياسية أو اجتماعية. وهو يقف على خطّ زلازل استراتيجية: من التطورات في ليبيا والمغرب والجزائر وصولاً إلى السودان ومعطوفة على الصراع في اليمن، إلى المفاوضات النووية بين إيران والغرب. وهناك أيضاً ما يجري من علاقات بين النظام السوري وبعض الدول العربية.
أمام هذا المشهد تغدو اليوميات اللبنانية مجرد تفاصيل لا تغني ولا تسمن. والجميع يبحث عن حفظ رأسه. تتداخل الملفات وتختلط. ولا يرقى الحديث عن تسويات إلى مبادرات فعلية، بل الهدف هو ملء الوقت الضائع فقط.
عون والسعودية والبيطار
رئيس الجمهورية ميشال عون يبحث عن مخرج للأزمة الحكومية. وهو يكتم انزعاجه الصامت من حزب الله، بسبب تعطيل الحكومة في السنة الأخيرة من عهده. ويتقدم عون بمجموعة أفكار للإفراج عن الجلسات الحكومية. وهو لا يزال مقتنع بضرورة إصلاح العلاقة مع دول الخليج، انطلاقاً من استقالة وزير الإعلام جورج قرادحي.
وفي المقابل هناك طرح أوسع مما يقترحه عون: وضع الملفات الخلافية كلها في سلّة واحدة، ليبدأ بحثها جدياً مع دول الخليج. لكن لا حماسة سعودية للدخول في التفاصيل التي يطرحها لبنان على قاعدة المقايضة.
وإلى جانب الأزمة الخليجية، تستمر أزمة التحقيق في تفجير مرفأ بيروت، مع تزايد الضغط لتنحية القاضي طارق البيطار عن الملف، أو الوصول إلى صيغة حد أدنى: كف يده عن التحقيق مع النواب والوزراء والرؤساء. وهذا، في حال حصوله، قد يدفع البيطار إلى التنحي.
استطلاعات تركية وأميركية
وسط هذه التفاصيل اليومية، تبرز زيارة وزير خارجية تركيا مولود جاويش أوغلو بيروت، آتياً من إيران. وتندرج الزيارة في أكثر من بعد: الأول استطلاعي. والثاني إشارة إلى الترابط بين لبنان وملفات الإقليم وتطوراته. والثالث إبداء استعداد تركيا للقيام بمشاريع استثمارية. ولا يمكن إغفال ملف رغبة أنقرة في التعاون مع لبنان في مسألة ترسيم الحدود البحرية في شرق البحر المتوسط.
أمام الزيارة التركية، والأزمة الديبلوماسية مع الخليج، هناك دول عربية تفضل الانتظار والمراقبة، والسعي في الوصول إلى معالجات باردة لتخفيف حدة التشنج في لبنان، ومنع تفاقم أزماته السياسية المتراكمة، أمنياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً ومعيشياً على الأرض.
إلى جانب زيارة وزير الخارجية التركي، يزور لبنان هذا الأسبوع وفد يضم أعضاء من الكونغرس الأميركي. الزيارة أيضاً هدفها استطلاعي.
وتشير معطيات إلى أن التركيز الأميركي في هذه المرحلة موجّه نحو الجيش اللبناني، وضرورة دعمه كمؤسسة وحيدة قادرة على الحفاظ على الاستقرار. مع تركيز على ضرورة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها.
الحريري والانتخابات
لكن الانتخابات لم تتضح معالمها بعد. فهناك خلاف على تحديد مواعيدها. ناهيك عن الضياع الكبير في صفوف القوى السياسية، وكيفية نسج تحالفاتها. وفي هذا السياق، يُتنظر القرار النهائي الذي يتخذه رئيس تيار المستقبل سعد الحريري في الفترة المقبلة: هل يخوض المعركة الانتخابية أم أنه سينسحب منها؟
كل هذه الوقائع تدفع إلى البحث عن خلق آليات حمائية ذاتية لدى القوى السياسية والحزبية والطائفية. وذلك بسبب القلق من تنامي حالات التفلت الاجتماعي.
الانتظار هو سيد الموقف إذاً، لكنه انتظار مكلف وقاتل.