توضع الملفات والاحداث اللبنانية المتزاحمة والطاغية على المشهد، في سلّة واحدة، فإما تقود المساعي الخارجية والداخلية إلى حلّها، وإما ستكون هناك انفجارات فيها في حال انعدام القدرة على إيجاد حلول أو تسويات.
تتداخل هذه الملفات بين السياسة، الأمن، العسكر، اللجوء، الإنتخابات النيابية المبكرة، والإصطفافات المنقسمة عمودياً بين من يريد الحوار ومن لا يريده، ومن يريد التسوية ومن لا يريدها. في مثل هذه الحالة التي بلغتها البلاد، تصبح كل هذه الملفات مترابطة بعضها ببعض وتشكل عناصر ضاغطة على الجميع، فإما الحلّ او الإنفجار.
الأمن تحت المجهر
الأكيد، ان هناك حرص داخلي وخارجي على منع حصول انفجار كبير، ولذلك تجري المحاولات لفصل الملفات عن بعضها البعض في حال استمرّ التعثر، فيما يتم استخدامها بشكل متكامل لتشكيل عنصر ضغط على كل القوى لدفعها إلى تقديم تنازلات. في السياسة، تبقى المراوحة على حالها، بين مواقف متعارضة للقوى السياسية حول المرشحين للرئاسة، وحول الحوار، وآلية المشاركة فيه. سياسياً أيضاً، تستمر الإتصالات والمشاورات بين بعض الاطراف بدون توقعات كبيرة بإمكانية الوصول إلى اتفاق، والمقصود هنا هو الحوار المستمر بين حزب الله والتيار الوطني الحرّ.
أما في الأمن والعسكر، فإن مؤشرات كثيرة أظهرت أن الساحة اللبنانية مفتوحة على إحتمالات متعددة، أبرزها الإشتباكات التي دارت على مرحلتين في مخيم عين الحلوة، بالإضافة إلى المداهمات التي يجريها الجيش اللبناني لمخيمات اللاجئين السوريين وضبط أسلحة، ربطاً بالتسريبات حول توقيف الجيش اللبناني لأفراد من خلايا وتنظيمات إرهابية، وتفكيك شبكة مؤلفة من 11 شخصاً قبل أيام كان تخطط لتنفيذ تفجيرات على الساحة اللبنانية. لا ينفصل الجو الأمني هذا، عن استمرار دخول آلاف “الهاربين” السوريين من سوريا إلى لبنان، وهناك فيديوهات واضحة تظهر كيفية دخولهم، بينما التعاطي السياسي والأمني مع الامر فيه نوع من الإستعراض المتعمد لجعل الساحة قابلة لأي انفجار “إجتماعي” بين اللبنانيين والسوريين.
تهديدات ديموغرافية
أي ربط بين تهديد الساحة اللبنانية بعمليات إرهابية لتنظيمات متطرفة، ودخول آلاف الهاربين السوريين مجدداً في ضوء التوتر اللبناني الكبير تجاه اللاجئين، والمعزز بحملة إعلامية واضحة بدون العمل الجدي على إيجاد آلية لمعالجة هذا الملف، لا بد له أن يقود إلى خلاصة واضحة، وهي استخدام الدخول السوري للضغط على اللبنانيين عموماً، والمسيحيين خصوصاً، من خلال القول إن هناك تهديدات ديموغرافية، إلى جانب التهديدات الأمنية والعسكرية الإرهابية، وبالتالي لا بد من العودة إلى الإلتقاء السياسي على مواجهة هذين العنوانين، ولعلّ ذلك يكون له انعكاس سياسي ورئاسي، تماماً كما حصل في فترة التحشيد لانتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية والذي جاء في فترة مواجهة التنظيمات الإرهابية والدفاع عن لبنان من الدخول السوري سواء كان لجوءاً أم “إرهاباً”.
تخوف عربيّ ودوليّ
كل هذه الملفات والعناوين، والتي يعجز لبنان عن حلّها يمكنها أن تتحول إلى ملفات متفجرة جداً، من هنا كان كلام أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني من على منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، حول أن الخطر أصبح محدقاً بمؤسسات الدولة، وانه لا بد من العمل على معالجة الفراغ السياسي القائم ووقف معاناة اللبنانيين. لا يمكن لهذا الكلام إلا أن يكون مبنياً على معطيات تعزز المخاوف حول الوضع اللبناني، لا سيما أن المعلومات تؤكد وجود مخاوف دولية وعربية من انفجار الوضع اللبناني ككل. ولا بد لهذا الكلام ان يكون منطوياً على مسعى حقيقي وجدّي للبحث عن حلول وتسويات سياسية تحفظ وحدة الدولة وتمنعها من الإنهيار الكبير.
عزز كلام أمير قطر، الرهانات اللبنانية على أي دور قد تلعبه الدوحة على الساحة اللبنانية لتلافي المزيد من المخاطر المحدقة. ويتعزز دور قطر أكثر بناء على مواقف مستقاة من مصادر ديبلوماسية متعددة تشير إلى تعثر المبادرة الفرنسية وبالتالي الدخول بطريقة أخرى على خطّ معالجة الأزمة اللبنانية، بناء على تنسيق أميركي سعودي مع قطر، وبإشراك الفرنسيين والمصريين والإيرانيين أيضاً. من هنا يتنامى التعويل اللبناني على أي دور قطري بالإرتكاز إلى تجارب سابقة نجحت فيها الدوحة بصوغ حلول لبنانية، وبالإرتكاز إلى نجاحات في ملفات أخرى مؤخراً أبرزها الإتفاق الجزئي بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران.
ضجيج الأسئلة
أمام هذه الوقائع، تضج اليوميات اللبنانية بتفاصيل من قبيل عودة المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان، على وقع انقسام داخل مجموعة الدول الخمس، وتفاصيل أخرى حول الحوار وإذا كان لودريان سيديره بنفسه على قاعدة الثنائيات، أم أن الحوار الذي دعا إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري سيعقد. هذه كلها عبارة عن أسئلة، معطوفة على أسئلة أخرى تتركز حول ما يمكن أن تقوم به قطر أيضاً، وإذا كانت ستشرف في مرحلة من المراحل على الحوار، أم أنها ستكون قادرة على انجاز الحلّ بدون الحاجة لتحلّق اللبنانيين حول طاولة جامعة. دون ذلك، سيعود كثر إلى طرح فكرة حل المجلس النيابي لعجزه عن انتخاب رئيس، والذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة لعلها تنتج مجلساً قادراً على الإنتخاب.