عثر علماء آثار على مقبرتين جماعيتين تضمان بقايا جنود أوروبيين من زمن الحملات الصليبية، قرب أطلال “قلعة سانت لويس” في مدينة صيدا، البعيدة 40 كيلومتراً إلى الجنوب عن بيروت، وهي غير التي بناها الصليبيون عام 1228 على بعد 80 متراً من ساحل المدينة، والمعروفة باسم “قلعة صيدا البحرية” الشهيرة.
أما الجنود فتم العثور في 2015 على بقاياهم المدفونة والمتفحمة، إلا أن دراستها استغرقت طويلا للكشف عن حقيقة مقتلهم، وتم الإعلان عمن كان أولئك الجنود ومتى وكيف تم قتلهم منذ 3 أسابيع فقط.
وعثر في المقبرتين عظاما متكسرة، بعضها متفحم، لما لا يقل عن 25 شابا وصبياً داخل خندق جاف قرب القلعة، فيما تشير الدراسات إلى أن مقتلهم حدث أثناء أو بعد إحدى معارك الحملات الصليبية، وذلك بحسب صحيفة “الديلي ميل”.
وأشارت فحوصات على بقاياهم إلى أنهم من آلاف الأوروبيين الذين دفعهم الكهنة والحكام بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر، لحمل السلاح في محاولة لاستعادة “الأراضي المقدسة” ثم انتهت رحلتهم بالموت في القرن 13 من جروح خطيرة أصيبوا بها خلال معركة أو بعدها.
وأهمية ما تم العثور عليه في المقبرتين، برغم الأعداد الهائلة للقتلى في الحملات الصليبية “هو أنه يندر العثور على مقابر جماعية تعود إلى هذه الفترة التاريخية”.
وقد تكون أعمال القتل حدثت حين غزو الصليبيين للقلعة للمرة الأولى، أي بعد الحملة الصليبية الأولى في 1110 لاسترجاع “الأراضي المقدسة” حيث احتفظوا بميناء صيدا الاستراتيجي لأكثر من قرن، فيما تعرضت القلعة للتدمير بعدها خلال هجومين: الأول كان في 1253 جزئيا على أيدي المماليك عام 1253، والثاني في 1260 بواسطة المغول، لذلك يقول الباحثون إن “من المحتمل جدًا” أن يكون هؤلاء الجنود لقوا مصرعهم خلال إحدى هذه المعارك، مشيرين إلى طرق قتل قاسية، لأن العظام تحمل آثار طعنات بالسيوف والفؤوس، وأدلة على إصابات شديدة.
وقال بروفسور علم الآثار في جامعة بورنماوث البريطانية الذي قام بالتنقيب عن البقايا وتحليلها ريتشارد ميكولسكي: “تأكدنا بأننا توصلنا إلى اكتشاف خاص عندما وجدنا الكثير من آثار الإصابات على العظام”.
كما أن الجنود أصيبوا بجروح في ظهورهم أكثر من الأمام، مما يشير إلى أن العديد منهم تعرض لهجمات من الخلف، ربما أثناء محاولاتهم الفرار، حيث طارد المهاجمون الصليبين المنهزمين على ظهور الخيل، كما ظهرت جروح بالشفرات على مؤخرات أعناق بعضهم، وهي علامة على احتمال أسرهم أحياء، قبل قطع رؤوسهم، فيما تدل آثار أخرى على العظام إلى محاولة جرت لحرق الجثث التي تُركت بعد ذلك لتتعفن في ساحة المعركة، ثم نُقلت في وقت لاحق إلى مقبرة جماعية.
ويكشف مشبك معدني وجد بين العظام أن الجنود القتلى هم “من الفرنجة” ويتحدرون من المنطقة التي تضم حالياً بلجيكا وفرنسا، بينما يشير تاريخ مقتلهم إلى أن ملك فرنسا لويس التاسع، هو على الأرجح من أمر لاحقاً بدفنهم إذ ” تخبر السجلات الصليبية أنه كان على رأس حملة صليبية إلى الأراضي المقدسة وقت الهجوم في 1253 على صيدا.
وتوجه إليها بعد المعركة وساعد شخصيا بدفن الجثث المتعفنة في مقابر جماعية”.
ومن المعروف تاريخياً عن الملك لويس التاسع أنه كان متدينا، وأحد أشهر حكام عصره حين قاد الحملتين السابعة والثامنة، إثر تعهد قطعه على نفسه إذا ساعدته العناية الإلهية على التعافي من الملاريا. وكان له ما أراد، لأن وفاته أثناء قيادته في 1270 للحملة الثامنة، كانت من مضاعفات “اسقربوط” الناتج عن نقص “فيتامين سي” بالجسم والفاتك بلثة الفم كأولة الضحايا من أعضاء الإنسان.