“اشتدّي أزمةٌ تنفرجي” عندما تكثر الشدائد وتستعصي الأمور وتتعذّر الحياة يخرج اللبناني المبدع بالمستحيل ليطبّق مقولة “لا شيء مستحيل” في “بلد العجائب والابتكارات” و”بلد الرسالات”. وقد اكدت الدراسات التي أجرتها النقابات التي تعنى بالصناعيين وقطاع الصناعة عن تراجع نسبة 80% في هذا القطاع. على مقلب صناعي آخر، ظهرت صناعة إعادة التدوير التي لفتت الاهتمام الرسمي لتضع يدها على هذا القطاع الذي أطلق عليه تسميات كثيرة منها “الكنز الأسود” و”مناجم الذهب المنسية” وحرفة فيها ابداع مميز ومتقن ودقيق وبعيد عن التلوث والضرر البيئي والصحي.
فكرة إعادة التدوير او Upcycling
“الديار” تحدثت الى الفنانة نسرين ناصيف شمص، مصممة أزياء ومحاضرة في فن إعادة صناعة الازياء المستدامة، ومن مؤسسي جمعية Recreate ناشطة بيئية واجتماعية، متطوعة في أكثر من جمعية، ورئيسة لجنة الفنون والتراث في حلقة الحوار الوطني، درست تصميم وتنفيذ الأزياء في جامعة Esmod Beirut وفن نحت المجوهرات في الـ USJ قالت: “بداية، أتمنى نقل الخبرات المتواضعة التي اكتسبتها منذ 20 عاما الى الأجيال المقبلة وأن يضحوا هم الإضافة الأكثر تأثيرا على بيئة ومجتمع افضل، خال من النفايات التي تلحق بنا ضررا وامراضاً لا حصر لها ويمكن ان نكون بغنىً عنها او اقلّه ان نخفف من آثارها السلبية او نتجنب استهلاكها في حياتنا اليومية. ففي سبعينيات القرن الماضي بدأت عملية إعادة التدوير في اول معمل متخصص في ولاية بنسلفانيا ليكون الأول من نوعه في العام 1972. اما في لبنان فإن فكرة اعادة ابتكار الملابس والأقمشة ومعاودة صناعتها عبر الـ Upcycling بدأت في عام 2002حيث كانت هذه الحرفة غير معتاد عليها وغير معروفة او منتشرة بمعنى انها صناعة هجينة.
وقالت شمص: “بعد ان خضت تجربة الاشتراك ببرنامج “ستوديو الفن” عن فئة تصميم الازياء تقدّمت بعدة أعمال فنيه صديقة للبيئة وبعضها عبارة عن قطع مفككة من الملابس وأكياس الجنفيص فاستعضت عن الاكياس بتحويلها الى خيطان، واضفت عدة تفاصيل غريبة نوعا ما إليها واكسسوار واحذية مصنوعة من ذات المواد، ومن بعد نجاحي في هذا البرنامج وحصولي على المرتبة المميزة في التصفيات النهائية لكل محافظات لبنان، قررت تنفيذ هذه التجربة على أرض الواقع وحاولت أن أغير خطي لكيلا يكون محصور فقط بالملابس المسرحية بل ليشمل الأزياء والمنتجات المتنوعة التي تتماشى مع حاجاتنا اليومية وتنفيذ التصاميم بطريقة عملية وبسيطة بما فيها البلاستيك”.
ارتكازات العمل
تقول شمص “يرتكز عملنا على خلق مساحات لنشر ثقافة الوعي البيئي وتنمية مهارات الشباب والأطفال في الفن البيئي المستدام في القرى والمناطق البعيدة عن العاصمة بيروت، وذلك عبر تنظيم دورات تدريبية هادفه في هذا المجال، ويمكن اعتبار إعادة التدوير من اهم الإجراءات في الوقت الراهن للحد من الاضرار الناتجة عن استخدام البلاستيك كما انها أضحت من اهم المرتكزات في إعادة تدوير كل ما هو عبارة عن “مواد بلاستيكية” واختيار المكونات والمواد بطريقة تتمثل بالدقة والصوابية. كما ويجب الاخذ بعين الاعتبار اختلاف نوع البلاستيك الذي سيصار الى إعادة تدويره من جديد والقوالب التي ستستخدم في الصناعة”.
وما تجدر الإشارة اليه في هذا الإطار هو إضافة العديد من المواد الصبغية والصمغية والكيميائية. كما نستخدم الجزء السفلي من عبوات المياه لتكون سندات للقصاصات الصغيرة من الاقمشة.
مراحل عملية إعادة التدوير
ان عملية إعادة التدوير يجب ان تكون متقنة لجهة فرز كل نوع من المواد البلاستيكية بشكل منفصل بحيث ان هذه العملية تخضع لعدة مراحل: بداية، يتم تجميع الأقمشة وفرزها في المشغل الخاص ب Recreate، وذلك من بعد مرحلة الـ sorting وفقا لأنواعها اما يدويا او عن طريق استخدام آلات فرز مخصصة مزودة بإستشعارات لمعرفة لونها وتصنيفها على هذا الاساس، كما اننا بحاجة الى ماكينات خياطة صناعية مختصة في صناعة الجلود والبلاستيك المقوى. أضف الى غسالات كبيرة الحجم لاستيعاب أكبر قدر من هذه المواد ونشافات ومكاوٍ تعمل على البخار، ومقصّات وBINS وحاويات كبيرة لفرز الاقمشة والملابس والبلاستيك. كما انه يوجد أنواع يتم التخلص منها فلا يمكن إعادة تدويره او العمل به.
واكملت شمص “كذلك يتم وضع خطة عمل لكل مجموعة وتتوزع الأقمشة والملابس حسب التصاميم المراد صناعتها على الخياطين أو السيدات العاملات في الارياف على ان يسبق ذلك دورات تدريبية مكثفة لهن لتعليمهن كيفية إعادة صناعتها او خياطتها. كما يتم تعريفهن على مدى أهمية التزامهن على إنهاء القطع بجودة عالية، ومن بعد مرحلة إنهاء تنفيذ التصاميم تأتي خطة تسويق المنتجات وعرضها بطريقة محترفة إن كان عن طريق المعارض المحلية أو تصديرها للخارج”.
على مقلب آخر، البلاستيك يخضع الى تغيير وتقليص حجمه بواسطة آلات تحتوي على شفرات صناعية ومهمتها تجزئة المواد من اجل الحصول على مزيد من المعالجة ليتسنى التعامل معها ويتم العمل على النحو التالي:
-فصل المواد الرطبة من بعد غسلها وتنظيفها بهدف إزالة الاوساخ العالقة عليها من أوراق واتربة وغيرها.
– الفصل الجاف ويتم بعدة طرق:
-فصل المواد المتلاصقة وفرزها من خلال الحجم والكثافة.
-تصنيف المواد على أساس سرعة انصهارها.
-تصنيف هذه المواد حسب الوانها.
وتضيف شمص “نعتمد في مشغلنا الخاص على إعادة استعمال البلاستيك المستعمل الذي يدخل في صناعة الحقائب والـ HOME DÉCOR ITEMS ونستخدمه كأساس مع ما تبقى من المنسوجات قواعد متينة لأي تصميم، او تكوين هيكلية معينة تحتوي على اشكال هندسية متنوعة”.
وتابعت “إن مركز الجمعية و”الاتيليه المتنقل” بحاجة لتجهيزه ببعض المعدات والماكينات بقصد استيعاب أعداد أكبر من المتدربين والمتدربات، واليوم نسعى بكل ما لدينا من قدرات لتدريب المزيد من المتطوعين والمتطوعات لإعطائهم فرصة العمل في هذا المجال”.
حاجات أساسية
وقالت “من الحاجات الأساسية التي باتت أكثر من مهمة، تأمين وسيلة نقل متوسطة او كبيرة الحجم لتنفيذ فكرة “الاتيليه المتنقل”في المناطق البعيدة ولنستطيع أن نجمع المواد الأولية من عدة مصادر. كما نعمل على نشر الوعي للاستثمار في هذه الحرفة من كافة المناطق والمدن اللبنانية ولدمج الشباب اللبناني في خلق أفكار جديدة”.
إعادة التدوير عمل تشاركي
وأكدت شمص “انه في ظل الأزمات التي تضرب لبنان، وجدنا ان آلية العمل التشاركي يمكن ان نبني عليه، لذا قمنا بالتعاون مع عدة جمعيات ومبادرات شبابية وحركات بيئية في مختلف المناطق وأنجزنا العديد من الدورات التدريبية بالتعاون مع أكثر من مركز وبدعم من البلديات. وأردفت، نبحث مع اصدقائنا الـ Green Partners في لبنان والخارج بشكل دائم في تقديم محتوى هادف وجديد لإيجاد حلول مستدامة على المدى البعيد”.
اين تجد هذه المهنة..هل هي صناعة يدوية ام صناعية؟
تقول شمص: “يمكننا القول أن هذه المهنة مزيج من الحداثة في الأفكار والتصاميم إلى جانب اعتماد بعض الطرق التقليدية والأساسية في التنفيذ من حيث مزج الالوان والقصّات لتقدم أفكارا ومحتوى جديد، فلكل مدرب هويته الخاصة به ينقل من خلالها خبراته ونظرته للحلول المستدامة في مجال عمله”.
اما بالنسبة لتصنيف هذه المهنة، تقول شمص “اعتبرها المنقذ لوضعنا الاقتصادي الصعب الذي نعيشه اليوم. ويراها البعض من أهم القطاعات التي يمكن أن تصنع فرقا في حياتنا وحياة مجتمعنا”.
من الجهة المسؤولة عن دعم هكذا مبادرات؟
تعتبر شمص “ان الجواب المنطقي لهذا السؤال هو بالتأكيد الدولة، ولكنها غائبة او متغيبة او خاضعة لأهواء سياسيين معينين يريدون الاستفادة الشخصية من كل شيء، واليوم اتى دورنا في أن نبحث عن وسائل وطرق مبتكره ودراسة مشاريع بتكلفة مقبولة لنحقق أهدافنا”، مضيفة “لن ننتظر دولتنا لتنقذنا من المشاكل التي اغرقتنا بها، لنبتكر نحن الحلول ولنقدمها بإمكانياتنا المتواضعة ولا بد من أن نصل يوما ما الى ما نصبو اليه، وليبقى لبنان بلد للحياة”.
نجاة عون صليبا اول من استخدم
البانويات “الالكترونيك” في حملتها الانتخابية
تقول النائبة نجاة عون صليبا “في حملتي الانتخابية طلبت ان تكون البانويات التي سيتم وضعها على الطرقات مصنوعة من “الالكترونيك” وليس من مادة البلاستيك وفي حال اضطررنا لوضع “بانويات بلاستيك” سنكون حذرين لجهة التخفيف من هذه المواد قدر المستطاع. على ان يتم تجميع كل ما تم تعليقه من صور وغيره ورفعه ليصار الى إعادة تدويره. وأشارت ان معظم البانويات التي تعود لي كانت “إلكترونيك” وعندما انتهت الحملة الانتخابية وعبر تويتي الشهير الذي قلت فيه انني قمت بإزالة كل ما يعود لي من صور وغيره وأرسلتها الى FABRIC AID وبدورهم قاموا بإعادة تدويرها الى BAGS وأرسلوا لي صورا لهذه الشنط والتي كان عملها متقنا ويتم توزيعها كـ ECO FRIENDLY BAGS .
واردفت عون “يوجد شركات أخرى قامت بإعادة تدوير هذه المواد لصناعة حقائب الأطفال المدرسية. وأضافت، الكثير من الشركات أدركت أهمية المواد الأولية وأعني (البلاستيك، الزجاج، الكرتون، التنك)، ناهيك عن الدواليب والاطارات التي أضحت تصنّع من هذه المواد منتوجات متقنة وبمواصفات عالمية كما ان هذه الحرفة ما لبثت تشكل ضغطا على كل من وزيري البيئة والصناعة لاتخاذ الإجراءات المناسبة في هذا الحقل، لان هذه الشركات أصبحت تنتج وتوظّف وتصدر وتجني أموالا طائلة كما انها أصبحت مصدرا أساسيا اليوم في إدخال الـ FRESH DOLLARS الى البلد”.
وفي معلومات خاصة “للديار” ولأول مرة تذكر في الوسائل الإعلامية، قالت عون: “لقد قمت بالتحدث مع العديد من الشركات بهدف إعادة التدوير والزجاج بشكل خاص، فطلبوا ان اساعدهم في إيجاد وسيلة ما لتجميع “الزجاج” على وجه الخصوص ولهذا قمت بزيارة الى وزير البيئة وقلت له نريد العمل على اصدار تعميم الى كل المنتجعات السياحية وخصوصا تلك التي تقع على الشواطئ ووجوب تكويم كل ما يسمى ب GLASS WASTE بما فيها البلاستيك والكرتون والورق والزامهم لإرسالها الى الشركات المعنية بإعادة التدوير، كما انه يجب وضع مستوعبات امام هذه المنتجعات لوضع هذه المواد بداخلها لما يوجد من استهلاك كبير لها وبكميات لا توصف. ففي الحقيقة لم اعرف ما إذا كان هذا التعميم أصبح نافذا ام لا سوف أزور وزير البيئة في أقرب وقت للتأكد من انفاذ هذا التعميم لأنه من الضروري بدأ العمل به وقبل انتهاء موسم الصيف لنستفيد من الكم اليومي الهائل للنفايات والتي اعتبرها مواد أولية وصناعية ووجوب الاستفادة منها بأسرع وقت هذا من جهة، وفي الموازاة نفيد منها شركات كبرى ومتعددة ونحن بانتظار صدور هذا التعميم”.
اما فيما يختص بإعادة التدوير والفرز من المصدر لتشجيع هذه الشركات للقيام به، قالت عون: “هذا العمل ليس بحاجة الى تحفيز وانما قانون ويجب ان يطبق لنستفيد من هذه المواد الأولية ونبني منها مصانع ومعامل”.