سبق وأن نشرت «الديار» منذ ما يقارب العام تقرير عن تزايد معدلات الجريمة في لبنان بشكل هستيري حينها، ولكن كما تجري العادة في أي ملف، مهما بلغت حساسيته في هذا البلد، فهذا لا يمنع أن يلقى في أدراج النسيان.
هذا العام في أشهره الأولى كان ملاحظ مدى فداحة استفحال الجريمة المجتمعية، وانتشارها في كافة المناطق والأحياء وفي وضح النهار دون أي خطوات ملموسة تقوم بها الدولة لمكافحة هذه الآفة أو لبث الشعور النسبي بالأمان لدى المواطنين المتخوفين أصلاً مما يحمله لهم الغد في بلد العبثية.
خلصت دراسة أعدتها شركة «الدولية للمعلومات» اللبنانية العام المنصرم، أن آخر الأرقام تشير إلى ارتفاع جرائم السرقة بنسبة ٢٦٥٪، والقتل ١٠١٪ في البلاد على إثر الأزمة.
إذا، الأرقام تعود للعام المنصرم، الذي كان أحسن حال باشواط من العام الحالي، فمع الإعلان بشكل يومي عن جرائم متنوعة وخطيرة تنخر منازل وأزقة اللبنانيين، يمكن الإستنتاج أن الأرقام تخطت ذلك بكثير، وأن التسيب الأمني ما زال على حاله والأمن والأمان للبنانيين متروكين لأقدار الله، فقط الله.
ولكن يبقى السؤال عالقاً عن سبب هذا العجز الشبه كلي لدى أجهزة الدولة في التدخل حتى لو للجم الفلتان الحاصل، وكان لا بد من طرح هذه الاشكالية والإستفسار عنها.
في هذا الشأن، صرح مصدر أمني لـ «الديار» أن ما تشهده البلاد حالياً عبارة عن حالة فوضى ميئوس منها، ويبدو أن الخروج بات صعبا، وأن الأمور تتجه نحو الأسوأ في ظل إهمال تام للشق الأمني المتعلق في حياة المواطنين، وتلهي المسؤولين عنه بالإنتخابات النيابية وصياغة الاتفاقيات مع صندوق النقد قبيل إعلان الإفلاس العام والذي بات قاب قوسين أو أدنى.
وأكد المصدر أن هناك تذبذبا لدى العناصر الأمنية وتململا من صعوبة اوضاعهم المعيشية وعدم قدرتهم على تحسينها، وهو ما ينعكس عليهم وعلى ادائهم بشكل مباشر على الأرض، فمنهم من أصبح لا مبال، ومنهم من طوّر سلوك عدواني وهو المؤشر الأخطر بعد إنتشار موجة الإنتحار داخل صفوف السلك.
وتخوف المصدر كذلك مما قد يحمله المستقبل القريب الذي قد يشهد برأيه إنكفاء للعناصر عن القيام بمهامها بشكل تام، خصوصاً في ظل عدم قدرتهم على التنقل بشكل سلس وميسور مع إرتفاع كلفة النقل التي مهما أقر لتعويضها، فانها تبقى العائق الأول أمام أداء العناصر لمهامهم وتنقلهم لاماكن عملهم ومراكزهم، كما تخوف أيضاً من تفلت أمني كبير وواسع النطاق، خصوصا أن البلاد تتجه نحو إستحقاق إنتخابي مهم وخطير، وأن أي خلل أمني قد يتحول في ظرف ساعة إلى فتنة لا تحمد عقباها ، وفي أسوأ الحالات اقتتال داخلي.
في الختام أكد المصدر الأمني لـ «الديار» أن الأمن هو مفتاح أي حلحلة وأي انفراجات، وفيما لو انتشرت العصابات وتفلت الأمن وانكسرت هيبة الدولة بشكل لا عودة عنه، فإن أي إزدهار لن يثمر أو ينعكس على أرض الواقع كون الأمن والأمان هما ركائز أي تقدم على كافة الأصعدة المحتملة، كما ودعا الدولة إلى إتخاذ خطوات جدية وسريعة في دعم السلك الأمني بالعدة لمكافحة الجريمة بفعالية اكبر، كما وتدعيم العديد كي يستطيع الصمود والبقاء على رأس عمله، وهو الامر الذي في حال فشلت به الدولة، فاننا سوف نشهد جرائم أكثر وأبشع وفي وضح النهار دون قدرة أي أحد على ردعها، وسوف يصبح التنقل على الطرقات كمن يسير في حقل ألغام، كما أن التفلت الأمني سوف يؤدي بطبيعة الحال إلى تعزيز الأمن الذاتي وإنتشار التسلح والمناطق المغلقة، مع كل ما يعنيه هذا الأمر من تفتت للمجتمع اللبناني وزواله وإنتفاء الحس أو الولاء الوطني، ليتعزز مكانه الحس المناطقي والطائفي وحتى القبلي.