حرب نفسية «رئاسية» يقودها النائب جبران باسيل، حيناً بتأكيد توصله الى اتفاق مع المعارضة على مرشح لرئاسة الجمهورية، وحيناً بالتنصل من اي اتفاق ورمي بالونات سياسية واختبارات.
فقبل سفره الى فرنسا وإيطاليا، تحدثت مصادر المعارضة، عن تبلغها موافقة مبدئية من باسيل على ترشيح جهاد أزعور، لكن في قلب محادثاته في العاصمة الباريسية لم يكن داعما ومتحمسا لهذا الترشيح، بقدر ما كان محاورا يحاول اقناع الفرنسيين بضرورة التخلي عن خيار فرنجية. وعلى ما يبدو، فان رئيس «التيار الوطني الحر» اقترب في الساعات الأخيرة من لحظة الحسم مع المعارضة والاتفاق على مرشح واحد، إلا إذا حصل تطور ما او تكويعة من قبله، وهذا ما جعل رئيس حزب «القوات» سمير جعجع يترك الأمور مفتوحة في كل الاتجاهات .
وفق المصادر المعارضة، فان الشيىء الوحيد الثابت لدى باسيل هو الرفض التام والنهائي لمرشح الثنائي حزب الله و»حركة أمل» سليمان فرنجية ، وما عدا ذلك فهو يعمد الى مناورات كلامية وتقطيع وقت رئاسي بانتظار حدوث متغيرات، ومع ذلك قد يكون طرح أزعور جديا، كما يحتمل ان يكون مناورة ذكية منه. فباسيل على معرفة وقناعة تامة ان جهاد أزعور لا يمكن ان يصل الى الرئاسة اذا كان مرشحا في مواجهة سليمان فرنجية. وفي هذا الإطار أتى موقف النائب آلان عون قبل فترة بقوله «ان لا جدوى من اي إتفاق رئاسي لا ينال موافقة حزب الله».
رسائل عديدة، تضيف المصادر، أراد باسيل إيصالها الى الداخل والخارج، والى حزب الله تحديدا، تسير في خطين متناقضين، فإما هو أراد ايصال رسالة لإعادة التواصل مع حزب الله رئاسيا من خلال التلويح بورقة أزعور تمهيدا للحصول على ضمانات معينة، او أشهر سيف التعطيل في وجه وصول سليمان فرنجية ومرشح المعارضة، وبذلك يكون أصاب عصفورين بحجر واحد، لأنه يريد ان يخرج من مأزق ان الكتلتين المسيحتيين لا تستجيبان لمطالب المجتمع الدولي بطرح مرشح وتأمين حصول الإنتخابات.
فالواقع الانتخابي الحالي يشير الى ان الانقسام قائم بين كتلتين صلبتين هما كتلة «الثنائي الشيعي» المترابطة دعما لفرنجية، وكتلة المعارضة مع «التيار الوطني الحر»، ويقف رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» المستقيل وليد جنبلاط «بين بين»، والذي كان أكد انه لا ينتخب مرشح تحدي لكنه لا يذهب لكسر فرنجية، فيما نواب الاعتدال مع جنبلاط، يتأثر تصويتهم بالمناخات الدولية من جهة الضغط الأميركي وتغيير الموقف السعودي.
ووفق مصادر سياسية محايدة، يعتبر ترشيح أزعور استمرارا لتعطيل وصول فرنجية ، فموافقة باسيل على مرشح مرفوض من حزب الله مستغرب، إلا إذا اتخذ الأخير قرارا بكسر الجرة مع حزب الله، وهذا الأمر ليس في مصلحة «التيار الوطني الحر» او ان باسيل لديه معطيات أقلها انه يعرف ان أزعور لا يملك الأصوات النيابية المرجحة لوصوله الى الرئاسة، وتبقى الرسالة الأساسية للخارج، بأن تكتل «لبنان القوي» سار في خيار المعارضة ولم يلعب دورا تعطيليا، مما يتيح البحث في خيار المرشح الثالث مستقبلا.
في كل الاحوال، فان إتفاق «التيار الوطني الحر» ان حصل مع قوى المعارضة، ومنهم «القوات»، على مرشح رئاسي في سياق معاكس لحليف التيار الاستراتيجي من سنوات، والذي أبرم معه تفاهم مار مخايل، يعتبر مفارقة او قمة المفارقات السياسية التي حدثت في مرحلة ما بعد «ثورة ٢٠١٩»، إلا إذا كان التفاؤل في جلب باسيل الى خندق المعارضة في غير محله ومكانه الصحيح.