قالت مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، باربارا ليف، مجدداً: “إن عدم انتخاب رئيس للجمهورية سيودي بلبنان إلى فراغ سياسي غير مسبوق، ما ينذر بـ”انهيار الدولة مجتمعياً”. وأضافت: “لقد وضعنا خططاً لمساعدة لبنان إن كان عبر دعم الجيش اللبناني أو عبر تسهيل اتفاقيات الطاقة أو دعم المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، لكن كل هذه التدابير لن يكون لها تأثير، ما لم يقم البرلمان اللبناني بعمله بانتخاب رئيس للجمهورية. وقد فشلوا في ذلك. ما يترك لبنان في فراغ سياسي غير مسبوق”. وختمت: “هذا الأمر لا نستطيع أن نفعل به شيئاً، فهم عليهم فعل ذلك”.
سلة الشروط
الموقف الأميركي واضح إلى الحدود القصوى، في المعنى الديبلوماسي. فهناك حث من قبل واشنطن للأفرقاء اللبنانيين على ضرورة إنجاز الإستحقاق الرئاسي. أما في مضمون الكلام غير الديبلوماسي فهناك إشارات واضحة إلى أن أميركا نجحت في فرض سلّة شروط على اللبنانيين أن يسلوكها للولوج إلى خطّة التعافي. خصوصاً أن أميركا مررت اتفاق ترسيم الحدود، ووضعت المسار الواجب التزامه للحصول على الطاقة، بالإضافة إلى الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي. أما كلمتها بعدم قدرة أحد على فعل شيء بل على اللبنانيين أن يقوموا بما هو مطلوب منهم، فذلك يوضح بشكل كامل مدى تدني الاهتمام الأميركي بالتفاصيل اللبنانية.
اهتمامات أميركا
لدى أميركا أولويات متعددة واهتمامات كثيرة البعد عن لبنان، أولها الحرب الروسية الأوكرانية، ثانيها أسعار النفط، ثالثها العلاقة مع المملكة العربية السعودية، رابعها العلاقة مع إيران، في ضوء التحركات التي تشهدها المناطق والمدن الإيرانية، والتي تبدو أنها متصاعدة. وهي ستكون أحد الملفات الأساسية المطروحة في أي مفاوضات إيرانية غريية. أما خامسها فتركيز الإدارة الأميركية على مرحلة ما بعد تشكيل بنيامين نتنياهو لحكومته وللمسار الذي ستسلكه هذه الحكومة، خصوصاً في ظل التعارض في التوجهات بين نتنياهو وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن. كل هذه الاهتمامات من شأنها أن تؤجل أي بحث خارجي في إنضاج تسوية لبنانية.
اهتمامات إيران
إيران لديها أيضاً اهتمامات وأولويات أخرى، أولها مواجهة التظاهرات الداخلية، ثانيها البحث في إعادة تجديد التفاوض مع مجموعة الخمسة زائد واحد، ثالثها البحث في العلاقة مع المملكة العربية السعودية، والتي تمر من ملفين أساسيين قبل الوصول إلى الملف اللبناني هما العراق واليمن. كل هذه التطورات الإيرانية تدفع حزب الله إلى رفع سقف شروطه ومواصفاته الرئاسية، وتدفعه إلى التمسك أكثر فأكثر بسليمان فرنجية، خصوصاً أن الحزب ينظر إلى كل هذه التطورات من ثلاث نقاط. الأولى، أن إيران مستهدفة من الداخل بعد استهدافها خارجياً في إجهاض محاولات الوصول إلى اتفاق نووي. الثانية، أن إشغال إيران في الداخل يهدف إلى إضعافها في الإقليم، وهذا لا بد أن يدفع الحزب إلى التشدد. أما الثالثة، أن استمرار محاولات القوى السياسية اللبنانية بمهاجمة حزب الله وخوض معركة معه تنذر بنية البعض لمحاولة عزله، خصوصاً لدى طرح القوى الأخرى مرشح تحدّ. فهذه قد تدفعه إلى التمسك بمرشح التحدي من قبله لاحقاً.
اهتمامات السعودية
المملكة العربية السعودية، لديها مسار واضح لحل الأزمة اللبنانية، ويندرج في إبرام تسوية يستعيد فيها لبنان الثقة العربية والدولية، وتندرج التسوية في الاستجابة إلى شروط وضغوط المجتمع الدولي. وهنا ثمة تشابه في المواقف الأميركية السعودية، مع عدم الإقدام على الدخول في تفاصيل الملفات اللبنانية، إنما انتظار ما يمكن أن يقرره اللبنانيون. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن أي تحرك على الساحة اللبنانية من شأنه أن يؤدي إلى توفير فرص تسوية، قد تستدعي الاهتمام الأميركي والسعودي معاً، كما كان الأمر بالنسبة إلى ملف ترسيم الحدود، والذي استدعى الأميركيين إلى الانخراط في المهمة حتى النهاية.
اهتمامات فرنسا
فرنسا وحدها التي تستمر في التحرك باتجاه إيران، السعودية، والولايات المتحدة الأميركية. ولكن حتى الآن لا قدرة فرنسية على إنضاج الحلّ أو جذب اهتمام الجميع، خصوصاً أن الموقف الفرنسي من الاحتجاجات في إيران ودعمها للمحتجين لا بد أن يؤثر سلباً على الاستجابة الإيرانية للمساعي الفرنسية. في المقابل، تستمر باريس في محاولة إقناع السعودية بالإنخراط في تسوية لبنانية تتضارب المعلومات بشأنها. تارة أن الفرنسيين لا يمانعون انتخاب فرنجية ويسعون إلى إقناع الآخرين به، وطوراً بأن فرنسا تسعى إلى انتخاب رئيس وسطي سواء كان قائد الجيش أو غيره.
في الخلاصة وبالإستناد إلى كل هذه التصورات الخارجية، يبقى لبنان متروكاً لمصيره. إطالة أمد الأزمة والفراغ من شأنه أن يفيد مسار الانهيار، فيما لن يكون هناك أطراف قادرة على الصمود أكثر من حزب الله. أما محاولات الضغط على الحزب وإحراجه سياسياً، فمن شأنها أن تدفعه إلى التشدد أكثر، ما سيؤدي إلى إضاعة فرصة حقيقية للتسوية.
وفي حال وصل الحزب إلى تبني علني لسليمان فرنجية سيكون باسيل أمام خيار من إثنين، إما أن يوافق فيتسعيد أمجاد علاقته بالحزب، وإما أن يعارض وهذا سيفتح باباً للتوتر بينه وبين الحزب قد يكون الهدف منه الاستثمار في هذا الاعتراض خارجياً، في سبيل سلوك طريق البحث عن رفع العقوبات.