كمال ذبيان – الديار
عندما اجتمع رئيس الجمهورية جوزاف عون، بقائد الجيش العماد رودولف هيكل، واعطاه تعليماته وتوجيهاته بان يتصدى الجيش لاي توغل للعدو الاسرائيلي، فانما كان ينفذ قراراً للحكومة برئاسة عمر كرامي في بداية عهد الرئيس الياس الهراوي عام 1991، بارسال الجيش الى الجنوب، للانتشار في المناطق المحررة من الاحتلال الاسرائيلي. ونفذ قائد الجيش آنذاك العماد اميل لحود القرار، فنشر كتيبة في منطقة وجود قوات دولية في صور، بعد ان كان انتشر في صيدا، ومنع دخول السلاح الى مخيم عين الحلوة، ثم توسيع انتشاره مع كل انسحاب اسرائيلي من جزين الى النبطية والزهراني…
في تلك المرحلة لم يوقف العدو الاسرائيلي اعتداءاته، فشن عدواناً في تموز 1993 على لبنان، واستهدف فيه المقاومة التي كان يتقدمها حزب الله، وبعد وقف اطلاق النار، اجتمعت الحكومة وكان يرأسها رفيق الحريري، واعطت تعليماتها للجيش بان ينزع سلاح حزب الله، فرفض قائده اميل لحود وقدم استقالته واعتكف في منزله، لانه لا يريد الاصطدام بالمقاومة، التي اعتبرها سنداً للجيش، ولها الدور الاساسي في تحرير الارض الذي بدأ من بيروت، وتمدد الى الجبل فصيدا وشرقها، وهذا ما ادى الى حصول شرخ بين الحريري ولحود . فتدخلت سوريا برئاسة حافظ الاسد ، والتي كانت ترعى الملف اللبناني، فساند موقف لحود وتبناه كمرشح لرئاسة الجمهورية التي كانت ستحصل انتخاباتها عام 1995، وانتشرت مقولة “جيش وشعب ومقاومة”، وصدرت في بيانات الحكومات المتعاقبة.
فقرار انتشار الجيش متخذ منذ ما بعد اتفاق الطائف، وتصديه للعدو الاسرائيلي موجود، وهذا ما يعلمه الرئيس جوزاف عون، الذي في اثناء قيادته للجيش تصدى الرائد محمد سامي فرحات لاختراق الاحتلال الاسرائيلي للخط الازرق الذي اغتاله العدو، وقبله في العام 2010 تصدى الجيش ايضا لقوة احتلال اسرائيلية كانت تعمل على قطع شجرة في العديسة، فواجهتها قوة من الجيش بالرصاص. كما كان للجيش دور اساسي في التصدي للحرب الاسرائيلية على لبنان صيف 2006، وهو الموقف نفسه الذي مارسه في اثناء الحرب الاسرائيلية 2023 ـ 2024 وسقط له شهداء وجرحى وما زال.
فالقرار السياسي للجيش بالانتشار والتصدي متخذ منذ 35 عاماً، انما تسليحه كان محظوراً من اميركا باداراتها المتعاقبة، وما زال يقول احد ضباط الجيش السابقين الذي يكشف بان التعليمات كانت دائمة للجيش بالتصدي للعدو الاسرائيلي، وكان يستعين احيانا بالقوات الدولية، وهو لديه الجهوزية للمواجهة، لكن سلاحه لا يوازي ما يمتلكه العدو الاسرائيلي، وهذه مسألة كانت مدار خلاف داخلي حول الجيش ودوره وعقيدته القتالية وتسليحه، وحصل انقسام سياسي على القرار الذي يعطى للجيش قبل الطائف، وكان الشعار “قوة لبنان في ضعفه”.
من هنا، فان ما اقدم عليه رئيس الجمهورية بتوجيه الجيش للتصدي لاي توغل للعدوالاسرائيلي، بعد مجزرة بلدية بليدا التي قتل الموظف فيها ابراهيم سلامه داخل مبناها، لان ما اقدم عليه العدو الاسرائيلي لا يمكن التغاضي عنه، لا سيما بعد قرار الحكومة بحصرية السلاح معها، ثم قرار الحرب والسلم، فالتزم حزب الله باتفاق وقف اطلاق النار منذ نحوعام، والعدو الاسرائيلي مستمر في اعتداءاته. وكان السؤال يوجه الى الحكومة في دور الجيش الذي لم يرد على اي اعتداء، وفق الضابط الذي يكشف بان يجب تسليح الجيش، وقرار التصدي لا يكفي.
لم يلاق ما صدر من موقف وطني عن رئيس الجمهورية بتوجيه الجيش للتصدي، ترحيبا من قوى سياسية لبنانية، وبعضها يدعّي الدفاع عن السيادة، فاعتبرت بان العمل العسكري ليس هو المطلوب، بل الديبلوماسية التي عبرها، يستطيع لبنان وقف الاعتداءات عليه، واخراج الاحتلال الاسرائيلي، الذي ليس هو سبب العدوان، بل السلاح مع حزب الله، في تبرير للاعتداءات الاسرائيلية، التي سبقت وجود حزب الله باطماعها في ارض ومياه وثروات لبنان، ثم في التوغل باراضيه منذ العام 1984.
والعدو الاسرائيلي لم يطمئن الى موقف الرئيس عون، فهاجمه وزير الدفاع الاسرائيلي يسرائيل كاتس، واتهمه بالتباطؤ في نزع سلاح حزب الله، وهدد بوصول العدوان الاسرائيلي الى بيروت، ولاقاه في موقفه الموفد الاميركي توم براك واحزاب وشخصيات سياسية لبنانية، اضافة الى الادارة الاميركية، فعدل الرئيس عون بكلامه، فتحدث عن الديبلوماسية لوقف الحرب.
ومن كان يطالب بان الجيش يتولى الدفاع عن لبنان، وقرار الحرب والسلم بيد الحكومة، باغته موقف الرئيس عون، الذي رأى البعض بانه ذهب بعيداً، وكأنه فتح الحرب، وليس بقدرة لبنان عليها وجيشه غير مؤهل، والمطلوب قرار السلم لا الحرب مع العدو الاسرائيلي، هذا مطلوب من الرئيس عون.


