تتفاقم أزمة النفايات يوماً بعد يوم منذ انفجار الأزمة الإقتصاديّة، حيث بات موضوع النفايات يُشكّل خطراً داهماً على البيئة العامّة، وبالتالي على صحة المواطنين. لا سيّما في ظلّ عدم القدرة على معالجة الكميات الكبيرة من النفايات الناجمة عن مخلّفات اللبنانيين إضافةً إلى النازحين السوريين، في وقت لا تعمل سوى 8% من المعامل المُعالِجة. وهذا ما يُخشى منه في أن يكون صاعقاً لتفجير الأزمة مُجدّداً!
قنبلة موقوتة
يُوضح مصدر معني بالملفّ أنّ «لبنان بدأ يُعاني أزمة كبيرة في ملفّ إدارة النفايات مع بدء الأزمة الماليّة وبعد انفجار المرفأ وبسبب النزوح السوري، حيث 8 في المئة فقط من المعامل الموزّعة على الأراضي اللبنانية تعمل حالياً، أما المعامل الأخرى فمعطّلة». مُعتبراً خلال حديثٍ مع صحيفة «نداء الوطن» أن الباقي لا يعمل أو معطّل مثل الكرنتينا أو الكورال في بيروت التي توقفت عن العمل جرّاء تأثّرها بانفجار المرفأ ولم تُرمّم حتى اليوم، وبالتالي تتم معالجة 8 في المئة فقط من النفايات والبقية تصبّ في المكبّات العشوائية أو المطامر الصحيّة».
ويؤكّد المصدر أنّه «في لبنان 8 مطامر صحيّة ما زالت تعمل، بطاقة إستيعابية محدودة، ما يؤدّي إلى تقصير مدّة حياتها ما يجعلنا نقترب من قنبلة جديدة، كما في الجديدة والكوستابرافا في بيروت، هذان المطمران الصحيّان كانا يستوعبان كمية معينة، اليوم زادت الكميّة لأن كل النفايات تصبّ فيهما، فبالتالي ستُقصّر مدة حياتهما، والأمر نفسه في المناطق الأخرى».
لبنان أمام أزمة كبيرة جداً، بحسب المصدر، خاصة مع الوضع الاقتصادي الذي تشهده البلاد والدولرة، حيث أنّ البلديات تتقاضى المستحقات بالليرة اللبنانية، ما يُشكّل عبئاً عليها وتعجز عن القيام بواجباتها، وبالتالي تذهب أكثرية النفايات إلى مكبّات عشوائية في المناطق».
ويُشير إلى أنّه «منذ العام 2018 حتى اليوم، يسير لبنان باتجاه إنحداري كبير وفي الوقت نفسه تُحاول وزارة البيئة بشتّى الطرق أنْ تضع الامور على السكة عن طريق المجتمع الدولي والمانحين لتمويل هذا القطاع، لكن الأمور تستغرق وقتاً طويلاً حتى تستقيم».
الحلّ يعتمد على 3 ركائز
وعن الحلّ لاستيعاب الأزمة قبل انفجارها، يُشير المصدر إلى أنّ «وزارة البيئة حضّرت خطة من 2023 حتى 2026 تعتمد على ثلاث ركائز: حوكمة، وتعزيز الفرز من المصدر وتحويل النفايات، والإستثمار في المعامل. بالنسبة للركيزة الأولى (الحوكمة) هناك قانون إدارة النفايات 80/2018 الذي تحدّث عن إنشاء هيئة وطنية لإدارة النفايات الصلبة والتي هي العمود الفقري لإدارة النفايات لكنها حالياً غير موجودة»، مؤكداً أنّ «مرسومها جاهز وتمّت الموافقة عليه في مجلس الوزراء ووضع مجلس شورى الدولة ملاحظاته عليه، ويتم أخذها في عين الإعتبار. وجرى تحديد المناطق الخدماتية وتقسيم لبنان إلى 17 نقطة خدماتية، وهذه ستظهر في الإستراتيجية التي تعدّها وزارة البيئة. بالإضافة إلى قانون استرداد الكلفة والذي هو أساسي لتمويل جزء من إدارة النفايات، أي وضع رسم خدمة لإدارة النفايات، وتدفع بموجبه المؤسسات الصناعية والتجارية والأماكن السكنية رسماً معيناً لإدارة النفايات. هذا القانون تحوّل من مجلس الوزراء إلى مجلس النواب حيث يصار إلى درسه، وهو اساسي ليستعيد القطاع عافيته، خاصة مع الوضع الحالي وعدم قدرة البلديات على إدارته.
كان يتم حسم هذا الرسم من الصندوق البلدي المستقل في حين أن واردات هذا الصندوق قليلة وغير معروفة المصدر ولا تكفي لهذا القطاع. لذلك نجد كل البلديات تعاني من عجز كبير في موضوع إدارة أزمة النفايات. ومن ضمن الإستراتيجية أيضاً، يجب على كل منطقة خدماتية تحضير مخطط رئيسي فيها، وهذا أيضا تمّت المباشرة به، بعضه ممول عن طريق البنك الدولي وآخر عن طريق الإتحاد الأوروبي أو الأمم المتحدة ( habitat ) حيث يُعمل على مخطّط رئيسي لنحو 14 منطقة خدماتية. بالإضافة إلى نظام إدارة المعلومات، إذ من المهم أن تصبح الوزارة قادرة على الحصول على معلومات حول كمية النفايات وكيفية إدارتها وأين ترمى وكيف… وكل التفاصيل المتعلقة بهذا الأمر. وهذه أيضا يتم العمل على إنجازها».
أما الركيزة الثانية، فيتم بموجبها العمل على تخفيف النفايات من المصدر وزيادة مراكز الفرز ومراكز إعادة التدوير وتشجيع من يجتهد على هذا الصعيد مثل «يلا نحولها» وغيرها من المؤسسات. تسعى وزارة البيئة لتشجيعهم وإنشاء مراكز فرز في كل المناطق اللبنانية عن طريق المشاريع المُموّلة من جهات خارجية.
والركيزة الثالثة هي الإستثمارات. سبق وقلنا أن لدينا 8 في المئة من المعامل فقط عاملة، وتقع في زحلة وبعلبك وشويا وجب جنين. وهذه المعامل الكبيرة الوحيدة التي تعمل بقدرة خفيفة نسبياً. لدينا 440 طناً تقريباً يومياً تتم معالجتها من أصل نحو 6000 طن. لذلك يجري العمل مع مانحين من بينهم البنك الدولي والإتحاد الأوروبي والـUNDP من أجل ايجاد تمويل أولاً لتحسين هذه المراكز وثانياً لإستحداث مطامر صحيّة في مناطق عدة كي تتمكّن من إستيعاب هذه النفايات التي سترمى».
الإستثمار مفتاح الحلّ
«إذاً تعتمد الخطّة على ثلاث ركائز ويشكّل الإستثمار أهمية كبرى»، وفق المصدر «لأن كلفة إستثمار وصيانة المعامل والمطامر تحتاج إلى تمويل. وهذه الكلفة لا بد وأن يكون لها مصدر يدفع رسم الخدمة. حالياً لا يوجد في القانون اللبناني ما ينصّ على الجهة التي يجب أن تدفع تكاليف المعالجة والطمر، ولهذا استحدثنا قانون إسترداد الكلفة، والذي هو أساسي جداً في حوكمة هذا القطاع. فكما يدفع المواطن تكاليف حصوله على خدمة الهاتف والمياه والكهرباء، الأمر نفسه يجب أنْ ينطبق على النفايات. المواطن ينتج نفايات وهناك خدمة ستُقدم من أجل تأمينها. عندما ننتج نفايات من المفترض ان ندفع كلفة كي تدار وتعالج بالطريقة المناسبة. في الوقت الحالي الأمر غير متوفر، لكن إقرار قانون إسترداد الكلفة سيكون الحجر الأساس في إدارة هذا القطاع.
وزارة البيئة تعمل على هذا الموضوع، وقد مر مشروع في مجلس الوزراء بهذا الخصوص وتحوّل إلى مجلس النواب. وينص مشروع القانون على ان الكلفة ستُدفع من المؤسسات التجارية والصناعية بنسبة اعلى بكثير من المنازل، الرسم تقريباً في المنازل يتراوح بين 2 و8 دولارات أميركي شهرياً في الأرياف، وبين 3 و12 دولاراً شهرياً في المناطق المدنية، بينما الأكلاف تختلف في الصناعات والمؤسسات التجارية ومن المُمكن أن تصل إلى 1800 دولار شهرياً للفنادق و1200 دولار للمدارس والمستشفيات والمولات والسوبرماركت، وبالتالي فإن الكلفة الكبيرة سيتكبّدها القطاع التجاري والإقتصادي، بينما المناطق السكنيّة ستدفع نسبة قليلة مقابل هذه الخدمة، والهدف إسترداد كلفة هذا القطاع كي يتمكّن من الإستمرار والصمود».